سياسية

الفريق طيار الفاتح عروة :الفريق أول عبد الرحيم أحدث نقلة كبيرة في عدة وعتاد الجيش


لا أعتقد أن بكري هو خليفة الرئيس ووجوده في المرحلة القادمة مهم لمعاونة البشير في مشوار انتقال الخلافة

علي عثمان سيكون فاعلاً لما له من صفات.. أما نافع فسيكون مؤثراً في الحزب

أستبعد أن تكون القيادات التي تنحّت مؤخراً هي البديل لخلافة البشير لهذا السبب (…)

الفريق أول عبد الرحيم أحدث نقلة كبيرة في عدة وعتاد الجيش

ظُلم الدفاع الشعبي من بعض الذين تولوا أمره بمحاولتهم إظهار حاكميته على القوات المسلحة

++

حاوره: ماهر أبوجوخ

نواصل في هذه الحلقة الخامسة لقاءنا مع الفريق طيار الفاتح عروة الذي قدم فيه رؤاه حول القضايا السياسية والاقتصادية السابقة والحاضرة والمستقبلية، فيما خص (الصيحة) ببعض من أسراراه الخاصة المتصلة بعدد من الجوانب والقضايا التي كان حاضراً ومشاركاً فيها وعلاقته بعدد من الشخصيات العالمية على رأسها الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وكارلوس، بجانب تفاصيل جديدة يذكرها لأول مرة مرتبطة بوقائع محكمة الفلاشا.

في هذه الحلقة يتحدث عروة لـ(الصيحة) عن رؤيته حول خلافة رئيس الجمهورية في المرحلة المقبلة وخيارات وفرص القيادات التاريخية بحزب المؤتمر الوطني التي تنحّت قبل عام ونصف، ووضعية القوات المسلحة مستقبلاً، مشدداً على ضرورة الابقاء على قوات الدفاع الشعبي مستقبلاً.. وفي ما يلي نقدم أبرز الإفادات التي أوردها.

++

ــ ألا تعتقد بأن الوقت قد حان لتنحي الرئيس البشير بعد حكمه لفترة جاوزت الربع قرن ومن تعتقد أنه البديل أو الخليفة له؟

إنني من الذين يعلمون، وهو أمر ليس خافياً على عدد غير قليل وربما يكون خافياً على الأكثرية، بأنه لم يكن أبداً في نية الرئيس البشير الترشح، بل هو زاهد تماماً في هذا المنصب وفي السلطة ككل، وراغب بشدة في التقاعد من موقعه، وكذلك هو موقف أسرته المباشرة والممتدة وأصدقائه الذين يحبونه، ولكن الظروف الموضوعية المحيطة بالبلاد والأخطار المحدقة بها وعدم وجود تركيبة مناسبة لحكم البلاد أو الانتقال بها لمستقبل حكم أفضل وتهديدات النعرات الجهوية، كل ذلك يلزم البشير بالوجود في قيادة التغيير الذي سيحدث مستقبلاً، وهذا هو المنطق من حيث استقرار الحكم والمؤسسات خاصة المؤسسة العسكرية وغيرها.

وقد تعرض الرئيس البشير لضغوط كبيرة للترشح ولعله معروف للبعض أن أكبر الضغوط جاءته من كردفان ودارفور واعتبروه مرشحهم الأول.

في هذا السياق صحيح أن البعض قد يقول (حواء والدة) أو ينادون بالتغيير، ولكن أعتقد أن أكبر التحديات التي تجابه البشير هي إعداد بديله أو خليفته الذي سيتسلم الأمر بعد انتهاء فترته، وهذا الإعداد يستوجب تجهيزه قبل انتهاء فترته ويستوجب على ذلك البديل أو الخليفة أن يكون نمطاً وليس قالباً محددًا، وانفتاح الناس على البديل بغض النظر عن الإقليم أو الجهة أو المكان الذي يأتي منه، ويجب فقط أن يكون هو البديل المناسب.

ــ هل يمكن أن يكون البديل من القيادات التي ترجلت مثل الأستاذ علي عثمان أو د. نافع علي نافع؟

أنا لا أفتي بمعلومات لا أملكها، ولكن المنطق البسيط يقول بأن ترجل هذه القيادات هي للتهيئة ولتجهيز البدائل للخلافة من الجيل التالي، لأن منطق الحساب يقول إنه بعد انتهاء الولاية القادمة للرئيس سيكون هولاء أيضاً خارج دائرة السن المناسبة.

ــ ماذا يعني تعيين الفريق أول بكري حسن صالح نائباً أول في هذه المرحلة، وهل يمكن أن يكون هو البديل؟

للمره الثانية لا أفتي بامتلاكي لمعلومات عن النوايا ولكن استقراءً من خلال الحقائق المتاحة، أولاً أن الفريق أول بكري حسن صالح هو من أهم مساعدي الرئيس البشير ومكان ثقته التامة منذ أن عمل معه بقوات المظلات ضابطاً أصغر ورافقه في أصعب الأوقات خلال فترة الإنقاذ. والذين يعرفون الفريق أول بكري يعرفون عنه العفة والتجرد والأمانة والانضباط، وأعتقد أن وجوده مع الرئيس في هذه الفترة لمعاونته في مشوار انتقال الخلافة، وأيضاً بحكم السن والصحة وغيرها فهو ينطبق عليه ما ينطبق على الآخرين خاصة بعد مضي الدورة القادمة للرئيس البشير. ولكن في اعتقادي أيضًا أن الفريق أول بكري سيكون مصاحباً أيضاً للرئيس في الدورة القادمة، والعمل معه لتجهيز الخليفة، وهو أمر منطقي، لأن في هذه الفتره فإن أقدار الله غير معروفة، ولابد أن يكون هنالك شخص له الخبرة والدراية والاستعداد للإنابة عن الرئيس في أي وقت. وهذا أمر هام لاستقرار البلاد.

ــ ما هو في رأيك دور الذين ترجلوا وأعني الأستاذ علي عثمان ود. نافع علي نافع؟

للمرة الثالثة لا أفتي، ولكن قراءتي للأمور تقول بأن الأستاذ علي عثمان محمد طه وبما عرف عنه من احترام وتواضع وأدب جم، سيكون فاعلاً أبوياً على مستوى التنظيم، ومن حكمائه، وله كلمة وتأثير. أما د. نافع فهو سياسي وسيظل سياسياً وسيكون فاعلاً ما دام الحزب فاعلاً فهو أيضاً معروف عنه الديناميكية والجرأة، وسيسعى لأن يكون أحد صناع الملوك وليس ملكاً ما دام الحزب فاعلاً ومؤثراً في الساحة السياسية.

ــ هذا يقودنا لسؤال: هل توجد بدائل بالساحة السياسية فيما يتصل بالمعارضة؟

دعني أقول لك بصراحة وبالحقائق الموضوعية بأنه لا توجد. ودعنا ننظر لحقائق الأرقام والوضع الراهن، ودعني أعطيك مثالاً، فأنا حينما كنت طالباً بالمدرسة الثانوية أصبح السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء للمرة الأولى… ثم تخرجت من الثانوي ودخلت الجامعة ثم تركتها ودخلت الكلية الحربية وأثناء وجودي فيها أتى جعفر نميري بثورة مايو وأصبح رئيساً للبلاد وتخرجت منها وخدمت ضابطاً طيلة فترة نميري إلى أن وصلت لرتبة العقيد وذهب نظام نميري، ليأتي السيد الصادق المهدي مرة أخرى رئيساً للوزراء. جاءت الإنقاذ، وذهب السيد الصادق المهدي وأتيت انا وزيراً ثم سفيراً، ثم أخيراً تقاعدت برتبة فريق، يعني أعلى درجات الحرفة العسكرية، وبالتالي حينما كنت طالباً بالثانوي كان السيد الصادق المهدي رئيساً للوزراء، والآن عقب تقاعدي كفريق بعدما كنت وزيراً وسفيراً، فإن الصادق المهدي لا يزال رئيساً لحزب الأمة، بل ويتطلع لحكم البلاد، هل هذا الأمر منطقي؟ الإجابة بكل تأكيد، لا. ودعنا ننظر لبقية قيادات المعارضة التي هي في نفس السن. ولعل من أجمل ما قرأت مؤخراً هي سلسلة تحقيقات نُشرت، تناولت أعمار القيادات السياسية المعارضة من فاروق أبو عيسى، مروراً بالشيخ حسن الترابي والسيد محمد عثمان الميرغني وسكرتير الحزب الشيوعي محمد المختار الخطيب، وغيرهم فهل ننتظر أن تكون هذه القيادات هي البديل لقيادة حالية هي أصغر منها سناً بسبب أنها بقيت في الحكم أكثر منهم؟ هذا لا يجوز… كما أن هذه الأحزاب لم تقدم أي قيادات بديلة داخل مؤسساتها يمكننا أن نتطلع إليها.

ليس ذلك فقط، فدعني أتحدث عن واقع أنا شاهدته حينما كانت تأتي المناقشة دائماً عن مشاركة الأحزاب المختلفة، إذ يظل النقاش في الوظائف عن كم عدد الوزراء ووزراء الدولة والمعتمدين والدستوريين الذين تتم بهم الترضيات للمشاركة، وبعد الاتفاق وقبل أن ينفض سامر القوم وأثناء وقوفهم على عتبات الباب يحدث الخلاف فيما بينهم في من يأخذ هذا الموقع، ومن يشغل ذاك، فهل هذه الطريقة التي تنظر بها المعارضة إلى كيفية إدارة شؤون البلاد؟ وهل هي عبارة عن مغانم شخصية؟

وحتى الآن فإن انشطار الأحزاب لكيانات صغيرة سببه تلك المغانم التي تنجم عن أي مفاوضات، وهذا المسلك بات موجوداً حتي في الحركات المعارضة المسلحة التي تعرضت للانقسام والانشطار بسبب المطامح الشخصية والمغانم السياسية، ولذلك فإن إعداد البديل يستوجب استصحاب جميع تلك الأمراض التي أشرت إليها سابقا،ً والتي يجب إزالتها وإعداد البديل بالطريقة المناسبة، وهذا البديل يجب أن يأخذ في اعتباره الثوابت الوطنية، فنحن نحتاج بعد الفترة الحالية للرئيس البشبر لفترة أخرى تنضج فيها الممارسة السياسية، نأتي بجيل جديد متشبع بالعلم والمعرفة والتجرد يقود البلاد للخير أكثر من الأجيال السابقة.

ــ إذًا في ظل هذا التغيير المرتقب ما هو الدور المنوط بالقوات المسلحة القيام به؟

في المرحلة الحالية، أعتقد أن دور القوات المسلحة حاسم لأنها شئنا أم أبينا هي وبقية القوات النظامية الأخرى البوتقة الوطنية الوحيدة الآن التي تتصف بالوطنية والتجرد والابتعاد عن الجهوية، فنحن في القوات المسلحة لم نتربَّ على الجهوية، وكان قادتنا يأتون من جميع أنحاء السودان، وتقلد رئاستها أناس من الشمال والشرق والغرب وغيرها، فجميعهم تقلدوا المراتب القيادية العليا فيها، وفي هذا السياق أتذكر حديثاً طريفاً سمعته بأذني من الشيخ د. حسن الترابي (بأن العساكر هم عساكر حتى إذا كانوا منظَّمين فإنهم يرجعون لأصلهم كعساكر)، وهذا يعني أن المؤسسة العسكرية مهما “تأدلجت” أو حتى تسيَّست فإنها تبقى مؤسسة تغلب عليها المشاعر والالتزام الوطني حيث إنهم هم القابضون على الجمر دوماً.

ــ الحديث عن القوت المسلحة يقودنا للحديث عن الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، أين مكانه ودوره خاصة وقد صوَّب البعض نحوه كثيراً من السهام الانتقادية؟

بعيداً عن التحيّز والعلاقات الشخصية، أرجو أن أتحدث عن الحقائق الملموسة، فأنا قد كنتُ وزيراً للدولة فى وزارة الدفاع في منتصف التسعينيات وفي وقت صعب للغاية، وأود أن أقول إن القوات المسلحة تاريخياً قد تطورت كماً ونوعاً في فترتين، الأولى التي أعقبت اتفاقية الجنوب عام 1972م، وحتى اندلاع الحرب مرة أخرى عام 1983م، بل امتدت حتى الانتفاضة في 1985م، فهذه الفتره تميزت أولاً باستقرار القوات المسلحة في فترة السلام، وتلقت الكثير من المساعدات في المعدات والتدريب خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة الأخرى، والكثير من الضباط أتيحت لهم الفرصة في أمريكا بمن فيهم الرئيس عمر البشير.

بخلاف هذه الفترة منذ الاستقلال، كانت القوات المسلحة تقاتل في جبهات عديدة لعشرات السنين، وتتراوح حدة الجبهات من زمن لآخر كماً ونوعاً، ولعل أكثرها هي سنوات التسعينيات وحتى الآن، وأعنفها هي الفتره التي سبقت اتفاقية السلام في نيفاشا، فلا توجد قوات مسلحة في المنطقة الافريقية عانت هذه التحديات لعشرات السنين، ولكن رغم كل هذا وبمنطق الأرقام المجردة، فإن التطور الذي شهدته القوات المسلحة عتاداً وإعداداً للمرة الثانية وفاق الفترة الأولى بمراحل كبيرة، كانت خلال تولي الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين لمهام وزير الدفاع، وأنا لا أود أن أخوض في تفاصيل الأرقام لحساسيتها، ولكن لو نظرنا فقط إلى القوات الجوية وطائراتها وأطقمها والدروع لوجدنا أن أعدادها تساوي أكثر من العدد الإجمالي لكل الفترة منذ استقلال السودان.

إن القوات المسلحة تتطور في ظروف استثنائية وتحت ضغط هائل، ومشكلتنا أننا لا نستطيع الحديث كثيراً في هذا الأمر. وأختم بالقول: لا أحد يعرف القوات المسلحة أكثر من الرئيس البشير، ولو كان الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم مقصراً في إدائه لما تركه في موقعه يوماً واحداً.

ــ لعل هذا الأمر يقودنا لاستفسار حول الدفاع الشعبي وموقعه من الإعراب في المعادلة المستقبلية سيما أن البعض يتحدث ويعتبره أنه قد بات بديلاً للقوات المسلحة؟

في اعتقادي أن الدفاع الشعبي قد أحدث تحولات كثيرة، ولكنه قد تعرض لظلم من الخارج والداخل، فمن الخارج من قبل مناهضي النظام الذين حاولوا التشكيك فيه ومحاولة خلق فجوة بينه وبين القوات المسلحة، أما من الداخل فمن بعض من تولوا شؤونه وحاولوا إظهار حاكميته وتفوُّقه على القوات المسلحة، إلا أن الأمر مختلف تماماً مع أصحاب المصلحة الحقيقية وهم القوات المسلحة ومقاتلو الدفاع الشعبي. فأولاً الدفاع الشعبي يعمل تحت إمرة القوات المسلحة تماماً، ونحن عاصرنا كل بداياته ومشاركاته مع القوات المسلحة في العمليات، وثانياً أنه لأول مرة في تاريخ القوات المسلحة تجد بجانبها شريحة من الشعب السوداني متطوعة ومجاهدة بأرواحها تقف معه في الميدان، والتأثير الذي أحدثه الدفاع الشعبي انتقل إلى كل منزل، وأصبح الشباب يتدافعون برغبتهم حتى دون أن يكونوا منظمين حزبيين أو “مؤدلجين” سياسياً. وأنا شخصياً حدث لي هذا الأمر في الوقت الذي كنت فيه وزيراً للدولة بالدفاع، كنت مع الشهيد إبراهيم شمس الدين، نتفقد متطوعي الدفاع الشعبي الذين يستعدون للقيام للإستوائية، ووجدنا في وسطهم ابني الأكبر ذا الثمانية عشر عاماً – وقتها- وكان طالباً بالجامعة مع عدد من زملائه. وأذكر أن الشهيد إبراهيم حاول منعه، وقال له أنت عليك الخلافة في الأهل لأن والدك يقوم بهذه المهمة فرد علي أبني قائلاً:”أنك لك السمع والطاعة إلا فى هذا الأمر ولن تستطيع منعي ولا يحق لك”. فقلت للشهيد إبراهيم “اتركه وشأنه”، وشاء الله أن يكون في معركة الميل 72 ويستشهد من معه ويصاب هو في ساقه وأذكر أنني التقيته بعد المعركة تحت شجرة وكان ينزف من أصابته.

دعني أقول لك إن الدفاع الشعبي ليس بالضرورة أن يكون قالباً لأيديولوجية معينة، ولكن هذا لا يمنع من أن يكون لكل فرد فيها الدافع للمشاركة سواء كان دينياً أم وطنياً أم سياسياً، وفي ذات الوقت يجب عدم خلطه مع الخدمة الوطنية الإلزامية باعتبار أن الثانية خدمة تلزم الشباب أن يؤدوا واجبهم تجاه وطنهم بالقانون، وهو أمر موجود في كل الدول المتقدمة، في أوروبا وأمريكا وغيرها توجبه القوانين وهو ليس مسألة طوعية، ولا يستطيع أي شخص أن يتخلف عنه. وبالتالي فإن وجود الدفاع الشعبي يصب في جهد القوات المسلحة ويعمل تحت إمرتها.

-نواصل-

طالع في الحلقة السادسة غداً

التمكين مشروع لأي سلطة تسعى للتغيير، لكن طريقة تطبيقه أثرت على كفاءة الخدمة العامة

حكومة ما بعد الانتخابات يجب تشكيلها على أساس الكفاءة لا المحاصصة

أرى أن يرأس الحكومة شخص يُساءل ويحاسب من قبل الرئيس والبرلمان

(…) هذه أبرز التحديات التي ستجابه الرئيس في حال انتخابه

الطريقة السابقة التي انتهجت لبناء الجيل الجديد كانت أشبه بـ(الاستنساخ)

الصيحة