تحقيقات وتقارير

جدل تحسين المظهر: مداولات ساخنة تحت قبة تشريعي الخرطوم بغية محاربة الظواهر السالبة ومجمع الفقه الإسلامي ينفي تحريمه المطلق للتسول


ربما كان الأسبوع الماضي من أكثر الأيام سخونة في مجلس ولاية الخرطوم التشريعي، حيث كادت الأوضاع تنفلت من بين يدي محمد الشيخ مدني رئيس المجلس في أكثر من مرة، وهو المعتاد على ضبط إيقاع المجلس بسلاسة، ولكن حساسية أجندة الجلسة كانت غاية في السخونة، لدرجة كونها انعكست على تداول النواب، والمجلس يلتقط أنفاسه الأخيرة قبيل الانتخابات، خاصة أولئك الذين تأكدوا من عدم ترشيحهم مجددا كنواب بالمجلس.
غليان المجلس كان مرده خطورة الأجندة محل النقاش؛ فقضية التسول تضاهي في الأهمية مواءمة دستور الولاية مع الدستور القومي، الأمر الذي دفع رئيس المجلس لإيقاف التداول حول قانون مكافحة التسول، والقفز للتعديلات، غير أن الأجواء ازدادت سخونة تحت القبة العتيقة، ولكنها انتهت بسلام وتنفست الصعداء، بعد إجازة المواءمة، وبقي التسول وقانونه معلقاً ينتظر الحسم في قادم الجلسات.

ومن أجل تحسين المظهر العام ومحاربة الظواهر السالبة في العاصمة الخرطوم شرعت وزارة التنمية الاجتماعية في إعداد مشروع قانون لمكافحة التسول والتشرد يجري التداول حوله في مجلس ولاية الخرطوم التشريعي. ويقف مشروع القانون الآن في مرحلة القراءة الثالثة والرابعة، بعد أن دمجتا بطلب من الوزيرة أمل البيلي، التي تبدو مشغولة جداً بتلك الظواهر، وتبذل الجهود لمحاربتها قدر المستطاع. ويذهب البعض إلى أنها تعول كثيرا على القانون المرتقب، ومتحمسة له لمحاصرة الظاهرة. غير أن الآمال التي تعلقها الوزيرة على القانون اعترضتها رياح نواب المجلس، ورفضهم لبعض البنود في القانون التي تتعلق بمعاقبة المتسولين، وأحكام السجن المتفاوتة التي تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات بحسب ما ورد في مشروع القانون، وهي عقوبات من وجهة نظر النواب قاسية جدا، وغير منطقية لشخص محتاج؛ يسأل الناس، الأمر الذي أثار جدلا واسعا داخل القبة العتيقة، وصل سقفه للمطالبة بإلغاء العقوبة التي تعد منافية لتعاليم الدين الإسلامي، ولمبادئ حقوق الإنسان.
ويعتقد بعض النواب أن محاولات تحسين وجه العاصمة ومظهرها ينبغي أن لا تكون على حساب القرآن الذي يحض على إعطاء السائل وينهي عن زجره، ناهيك عن سجنه، بحسب عبدالقادر محمد زين، الذي أكد أن الحد من ظاهرة التسول والتشرد ينبغي أن يكون عبر برامج الإصلاح والتصحيح، والابتعاد بها عن العقوبة والسجون التي ربما تلتهم أصحاب الحاجة الحقيقية، لا محترفي أو مجرمي التسول.

وفي المقابل دعا الشيخ الفكي لتطبيق القانون بحكمة، والتدقيق في تصنيف المتسولين والمشردين، وتحديد من هو متسول بحق وحقيقة من المجرم، والأخذ في الاعتبار أن أغلب المتسولين يتسولون عن حاجه حقيقية وليسوا محترفي تسول، مما يستدعي إحكام تعريف المتسول الحقيقي من سواه لمعاقبة المحترفين. ويقول أحمد خشم الموس: “أنا أعلم أن بعض النساء ممن فقدن أزواجهن يدفعن بأطفالهن للتسول ليسدوا رمقهن فهل يعقل أن يعاقبوا بقانون كهذا؟”
في الأثناء نفى مجمع الفقه الإسلامي أمس الأول إصداره فتوى تقضي بتحريم مطلق للتسول، باعتبار أن بعض المتسولين محتاجين وفقراء وضعفاء، وقال إن الحديث كان عن أمر التسول بمعالجة أحوال الفقراء والمحتاجين ومكافحة المتسولين غير المحتاجين، ودعا إلى التفريق بين المتسول المحتاج والمتوسل المحترف.

وقال المجمع في تعميم صحفي (الخميس)، إن المجتمع لا يقبل أن يتخذ غير المحتاج التسول مهنة وحرفة، وأشار إلى أن الذي يتسول وهو غير محتاج يعد آكلاً للسُحت في الشرع، وأوضح أن المجمع يهمه أمر الشرائح الضعفية والفقيرة في المجتمع، وأكد أنه لا يخل بيان من البيانات الصادرة من المجمع في سائر المناسبات والأحداث عن نصح ولاة الأمر وتذكيرهم بالواجب الشرعي في الرفق بهم ورعايتهم. وبحسب التعميم فإن ما صدر عن المجمع وتناقلته الصحف مؤخراً كان حول مشروع قانون معالجة ومكافحة التسول والتشرد لولاية الخرطوم لسنة 2014م بطلب من وزارة التنمية الاجتماعية، على أن إجازته متوقفة على رد المُجمع.

مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي


‫2 تعليقات

  1. في بداية الامر يجب ان نفرق بين المتسول والمحتاج الفقير واحسب ان القانون لمكافحة التسول وليس لمكافحة ومعاقبة الفقراء المحتاجون لسد رمقهم من الجوع والمرض نسأل الله ان يعافي كل محتاج ويغنيه من فضله فالقانون يجب ان يكون لمكافحة المتسولين المحترفين الذين كما يقول مجمع الفقه بأن المستولين انما يأكلون سحتا نسأل الله العافية .

  2. ما ترَك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دِينارًا ، ولا دِرهمًا ، ولا عبدًا ، ولا أَمَةً ، إلا بَغلَتَه البَيضاءَ التي كان يَركَبُها ، وسلاحَه ، وأرضًا جعَلها لابنِ السبيلِ صدَقَةً .