هيثم كابو

ذكرى نقد و(اختفاء) الحزب الشيوعي


* نعم، ثلاثة أعوام والبلد تفتقده والساحة السياسية تبحث عنه، بينما لا يزال جرح رحيله أخضر..!
* فراغ عريض تركه رحيل السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني الأستاذ المناضل حقاً محمد إبراهيم نقد صاحب المسيرة الوطنية الحافلة والسيرة السياسية المثيرة للجدل، فقد انسل عن دنيانا في الثاني والعشرين من مارس قبل ثلاث سنوات في عام رحيل العمالقة تاركاً في الحلق غصة، وفي القلب حسرة، وعلى الخدود دمعا هطالا، وفي العقل أكثر من سؤال..!!
* كنا ونحن طلاب في مدرسة رفاعة الأميرية المتوسطة نسمع عنه حكاوي أقرب للخيال ونراه أسطورة درامية أكثر من كونه شخصية سياسية.. نرهف السمع لبعض الشباب المنتسبين للحزب الشيوعي وهم يتحدثون عن قدرات (الأستاذ) الفائقة في الغياب عن عيون المراقبة وبراعته في الاختباء، ومهاراته الفذة في تضليل الأجهزة الأمنية عبر سيناريوهات علّمت الساسة قواعد الاختفاء..!!
* كثيرة هي القصص التي سمعناها إبان تلك المرحلة عن قدرات نقد في الاختفاء ثم الظهور فالاختباء، ولا زلت أذكر قصة رواها لنا أحد أبناء رفاعة من طلاب كلية الهندسة جامعة الخرطوم – ممن كان يشار إليهم ببنان الثقافة والاطلاع وسعة الأفق – ونحن نتحلق حوله تحت (نور عمود) كهرباء في حي الجنينة، وطالب الهندسة النابه يمزج لنا وقائع القصة الغريبة بسرد مشوق ولغة سلسة ودراما عالية جعلتنا نحبس أنفاسنا، والفتى يدهشنا حد الذهول برواية حدثت عام 1973 حيث طلبت لجنة الاحتفال باليوبيل الفضي لمدرسة حنتوب الثانوية بمدني من جميع خريجيها بمختلف مناصبهم ومقاماتهم ودرجاتهم العلمية الحضور إلى المدرسة والمشاركة في الاحتفال التاريخي لواحدة من أهم منارات العلم في البلاد، وكان نقد والرئيس جعفر محمد نميري من أبناء الدفعة الثانية بحنتوب، وقد حرص نميري على الحضور رغم مشاغله كرئيس للجمهورية، في الوقت الذي لم يكن فيه بمقدور نقد الحضور لأنه كان يعيش إحدى فترات اختفائه ويمارس عمله السري (تحت الأرض)، وعندما دخل نميري لداخلية (أبوعنجة) بحنتوب التي كان يسكن فيها إبان فترة الدراسة طلب منه أحد زملائه من أبناء الدفعة الثانية إعطاء نقد (الأمان) لساعات حتى يخرج من مخبئه ويحتفل مع الدفعة ثم يعود إلى باطن الأرض من جديد دون أن تمتد له يد الاعتقال، وما كان من نميري سوى إبداء الموافقة الفورية ليخرج الشيوعي المخضرم بالفعل ويحضر الاحتفال ويشارك فيه بفاعلية مع أنه كان أحد أشرس معارضي نميري آنذاك، وعندما جاءت فقرة أداء مباراة في كرة القدم تم إسناد مهمة (مساعد الحكم الأول) لنقد في الوقت الذي كان فيه نميري يصول ويجول مع اللاعبين داخل الميدان، وفي إحدي الهجمات استلم نميري الكرة بصدره وقبل أن يطلق قذيفته – رفع نقد راية التسلل – إلا أن الحكم لم ينتبه لرأيته تلك، فسدد نميري الكرة في المرمى محرزاً هدفاً جميلاً ارتجت له جنبات الملعب بيد أن (المساعد الأول نقد) ظل رافعاً رايته حتى أتي إليه حكم الوسط وسأله في دهشة: (في شنو يا نُقد)..؟؟.. ليرد بسرعة: (يا حكم الراجل دا سارق)..!!
* بالطبع، لم يأخذ الحكم بالراية وتجاوز حديث (رجل الخط) واحتسب الهدف، ليلتفت نقد نحو الجمهور وهو يسألهم بمكر سياسي وخفة ظل ودهاء بالغ قائلاً: (بالله مش كلكم عارفين الزول دا سارق؟)..!!
* دخل نقد موسوعة جينيس للأرقام السياسية في ممارسة العمل تحت الأرض والاختفاء عن المشهد السياسي في (لحظات التضييق) حيث عاش (26) عاماً مختفياً عن الأنظار في ثلاث فترات من عمره البالغ 82 عاماً، ولعل أطول فترة اختفاء لنقد كانت إبان حكم نميري حيث اختفى 14 عاماً كاملة، وسبقها بـ (5 أعوام) خلال فترة حكم عبود، وكانت آخر فترات اختفائه في عهد الإنقاذ التي استمرت (11) عاماً منذ 18 فبراير 1994 وحتي مطلع أبريل من عام 2005 عندما زاره الفريق أول صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني آنذاك ونائبه الفريق محمد عطا داخل المنزل الذي يقيم فيه سرياً حيث قالا له: (من حقك أن تخرج وتمارس عملك السياسي في العلن دون مضايقة، فأنت لست من الأسماء المحظورة عن العمل السياسي ولست من المطلوبين لدي الأجهزة الأمنية)، وكانت هناك مناشدة قبل تلك الزيارة بفترة ليست بالطويلة من علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية وقتها طالب فيها نقد بالخروج وحكي من داخل المجلس الوطني في إحدى احتفالاته قصصاً عن العلاقة الحميمة التي جمعته بالسكرتير العام للحزب الشيوعي تحت قبة البرلمان..!!
* ها هي الذكرى الثالثة تمر على رحيل نقد، والحزب الشيوعي (مختفٍ) تماماً، فيا ليت الشوعيين لو جعلوا من ذكرى نقد فرصة لمراجعة مسيرة الحزب الذي للأسف إن تحجج أهله بالتضييق على صحيفة (الميدان) فليس لديهم إصدارة إلكترونية تعكس أنشطتهم، ولا موقع يبلور أفكارهم، ولا صفحة تعكس رؤاهم السياسية، فمواقع التواصل الاجتماعي أضحت منبراً للناشطين قبل المنضوين تحت لواء حزب تحكمه قواعد وأسس ولوائح، فما أسهل الاستفادة من (السوشال ميديا) وكل أدوات الاتصال في زمن لبس فيه حتى الإسلاميون المنشقون لخلافات داخلية عن الحزب الحاكم أردية النضال..!
* رحل نقد، والسؤال الآن: (ماذا بقي عند الشيوعيين بعد رحيله)..؟
نفس أخير
ولسه الدمع عليك صابي ..
وداعاً يا مسامح
يا زولاً ودود.. ما بعرف يعابي
في الحق ما بتهادن.. تغامر بعمرك
وروحك تشابي.. لا بتهاب مشانق
لا سجوناً حصينة..
تمرق للنصيحة يا (ملك المخابي)..!


‫3 تعليقات

    1. يا عجيب متعب نفسك فى شنو ومقوم نفسك ساكت الناس ديل بقوا يكتبوا من الذاكرة ساكت ويقعدوا يكتبوا ويرصوا فى الحروف دى التقول زى البيفلقونا بيها ما بيكتبوها شىء خصى وشىء كتيح وشيتا دراريب ساااى دراريب جمع درابة سالم ههههههه وبالاخص هذا المدعو كابو ده مقلاته زى خنقة العضم

  1. هيثم كابو أكثر واحد شايف نفسه “يا سودان ما فيك إلا أنا” واكثر واحد “كيسه فاضي “