عبد الباقي الظافر

ضابط السجن..!!


فجأة لاح من الباب ضابط مهاب الجناب.. كل العسكر أعادوا ترتيب أوضاعهم.. منهم من ألقى التحية، وبعضهم تجاوز المكان بسرعة.. نظرت سهام إلى الرجل وفي عينيها استعطاف.. تمنت أن يساعدها الضابط في أن تتحدث بهدوء ومودة إلى زوجها.. الحديث من وراء الحاجز الحديدي في السجن مزعج.. كانت- دائماً- تشعر أنها تتحدث إلى زوجها بصوت مسموع.. كانت تتمنى أن يمرر زوجها كفه على كفها.. قبل أن تقرر تقديم استرحام، عاد الضابط إلى إدراجه، بينما تقدم الصف خطوة واحدة إلى الأمام.
بعد دقيقة وقف أمام سهام جندي نحيل.. دون مقدمات أمسك بـ (عمود) الطعام، وخاطبها “النقيب الخنجر عاوزك في المكتب”.. دخلت سهام باستحياء جعلت نظرها في الأرض، ثم لزمت الصمت.. أمسك الضابط بورقة صغيرة، وسأل ضيفته عن اسم النزيل.. أمر الجندي أن يحضر وائل الطيب سعيد.. حاول الضابط الشاب إجراء عملية استطلاع سريع.. يريد أن يعرف أي النساء في مكتبه.. عمله في أقسام الشرطة، ومن بعد ذلك السجن جعله يسيء الظن بالمجتمع.. منذ ثلاثة أعوام يبحث عن امرأة عفيفة لتشاركه الحياة- زوجة- هاجس الزوجة الخائنة كان يسيطر عليه- ربما- لأنه لم يكن شخصاً مثالياً.
دون أن تتحدث انسحبت سهام إلى خارج المكتب.. أدرك ضابط السجن أن الضيفة لا تريد أن تتحدث أمامه.. لحق بها خارج المكتب.. طلب منها أن تستريح في المكتب حتى يأتي وائل- قال الاسم هذه المرة غير مقرون بكلمة نزيل- بدا مهتماً بالفتاة الجميلة والهادئة.. رفع (الكاب) بزهو، وقال لنفسه سأعرف القصة.
انصرف الضابط إلى حيث ملفات النزلاء.. الملف (١٨٠٩) وائل الطيب مهندس مدني يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً.. متزوج من سهام الحسن- ربما- صفة زوج ليست دقيقة سهام ووائل أكملا عقد القران قبل عامين.. الآن كل شيء مع وقف التنفيذ.. حلم الزوجين يتوقف على جلسة طلب إعسار في المحكمة.. المستقبل بين يدي قاضي لا يرى شيئاً غير أوراق ومستندات.. بعد اطّلاعه على الملف ومن واقع خبرته تأكد له أن المهندس الشاب سيمكث في السجن سنوات طويلة.. أغلب الظن أن الشابة الجميلة لا تدرك هذه الحقيقة.. قرر النقيب الخنجر أن يضع نفسه على قائمة الانتظار.
عاد النقيب الخنجر إلى مكتبه، وبدأ يشعر أن الشابة الحزينة، التي ترتدي حجاباً أنيقاً لن تكون شخصية عابرة في حياته.. حينما دخل إلى المكتب وجد الضيفة غارقة في دموعها.. لم يكن من السهل استنطاقها في مثل هذه الأحوال.. انصرف النقيب الخنجر منزعجاً، يبحث عن “المراسلة” حسن كباية.. هذا “المراسلة” مثل راديو لندن يقدم الموجز في نصف دقيقة.. بالفعل بعد أن ضرب الأرض معلناً التحية العسكرية زفّ كباية الخبر “سعادتك حالة طلاق”.. أكمل التفاصيل وائل الطيب سعيد خسر الإعسار أمس، ثم مر على المحكمة الشرعية مع حراسه، وطلق زوجته.
عاد الضابط إلى مكتبه بصحبة حسن كباية.. حاول كباية أن يمارس القهر، ويطرد الضيفة من المكتب.. زجره التقيب بنظرة جعلته يبحث عن باب الخروج.. انكفي النقيب على الطاولة متوسداً يديه.. نزلت من عينيه دموع غسلت ضميره الذي أنبه كثيراً.. عاد إلى مكتب الأرشيف يبحث في ملف وائل الطيب سعيد ساعياً ليجد عنوان الدائنين ليشاركوه الحزن.