د. ياسر محجوب الحسين

عجائب الحملات الانتخابية


حملت صحف الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي، خبرا طريفا مدهشا عكس حالة درامية تلف المشهد الانتخابي في السودان.. يقول الخبر إن مُرشّحا رئاسيا منافسا للرئيس عمر البشير فشل في سداد مبلغ 180 جنيهاً سودانيا (نحو 20 دولارا) وذلك في إطار صرفه على حملته الانتخابية.. في المقابل توجه الاتهامات صراحة لمرشح المؤتمر الوطني الرئيس البشير باستغلال أموال وإمكانات الدولة في حملته الانتخابية التي لا تضاهيها أي حملة من حملات المنافسين الأخرى.. الاتهامات كثير منها لا يعزوها الدليل؛ فالرئيس يجول ولايات السودان شرقا وغربا وجنوبا وشمالا على امتداد مساحات وطن شاسع يوصف بأنه وطن قارة.. جولات الرئيس بطائرات حكومية فضلا عن إمكانات أخرى مسخرة مثل الإعلام الرسمي وغير ذلك.. وقيل إن المفوضية القومية للانتخابات، رصدت استغلال بعض حكام الولايات والوزراء الاتحاديين، السيارات الحكومية، في أغراض الدعاية الانتخابية. الأمر الذي عدّته خرقاً للعملية الانتخابية، وطالبت رئاسة الجمهورية بإصدار توجيهات واضحة للحدّ من تلك الظاهرة.. المثير أن المفوضية حددت 20 دقيقة لكل مرشح رئاسي في وسائل الإعلام الرسمية، لتقديم نفسه للناخبين وشرح برامجه، بل إن الوكالة الرسمية خصصت مساحات واسعة للمرشحين، مقابل 879 دولاراً لكل إطلالة، بينما أحدهم عجز عن تسديد 20 دولارا.

ويرى البعض أن حالة نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الانتخابية قد تلبست النظام في الخرطوم؛ إذ كان نظام مبارك يعتمد على طرق ماكرة جداً للبقاء في السلطة، بجانب الاعتماد على قنوات منهجية ومؤسسية فعّالة، وغدت إمكانات الدولة والمؤسسات الانتخابية عنصراً أساسياً في طول عمر النظام ولذلك حافظ مبارك على حكم غير ديمقراطي لمدة طويلة عن طريق الانتخابات.

صحيح أن الانتخابات آلية تستخدم في النظم الديمقراطية والشمولية لتحقيق مقاصد ووظائف متباينة، إن ثمة معايير يمكن من خلالها التفرقة بين الانتخابات الديمقراطية التنافسية وبين غيرها من الانتخابات التي لا يمكن وصفها لا بالديمقراطية ولا بالتنافسية.. ويطرح المهتمون بأمر الوضع السياسي في السودان بإشفاق بالغ هواجسهم حول شروط قيام انتخابات نزيهة وشفافة مثل إمكانية توفر حرية الحصول على المعلومات من مصادر متعددة وضمانات حرية التعبير وحرية التنظيم وتكافؤ فرص التمويل.. فالانتخابات لا تسبق الديمقراطية بأي حال من الأحوال، فهي إذن لا تصنع، لا الديمقراطية ولا الحريات والحقوق ما لم تتوفر شروطا معلومة.

اليوم تدخل الحملات الانتخابية أسبوعها الرابع، في غياب أي منافسة تُذكر لحزب الرئيس البشير، الحزب الحاكم. وعلى عكس ما جرى في انتخابات العام 2010، لا وجود للملصقات واللافتات التي توحي بقيام انتخابات رئاسية بعد أسابيع قليلة في 13 أبريل القادم.. ولا أثر لندوات إلا أصواتا مبحوحة لمرشحين لا تكاد تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا. ورغم أن هناك أكثر من 90 حزبا مسجلا بصفة رسمية إلا أن السباق الرئاسي يشترك فيه 15 مرشحاً مستقلاً، لا ينتمون لأحزابٍ سياسية، إلا المرشح عمر البشير.. الأحزاب التي يمكن اعتبارها أحزابا مؤثرة قاطعت الانتخابات برمّتها، ومنها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، والمؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي، كما أن بعضها شكّل حملات مضادة للبشير تحت شعار “ارحل”.

أكبر حجة تتمسك بها المعارضة في تأكيد صوابية موقفها من المقاطعة هي قانون الانتخابات الذي تقول إنه وضع من وراء ظهرها، ومن الضروري أن يأتي القانون الانتخابي على نحو يعبر عن إرادة وطنية، حتى يتسنى للقوى السياسية المشاركة، مشاركة حقيقية وهذا يتطلب إسهامها في وضع القانون الانتخابي.. بيد أنه في يوليو الماضي أجازت الحكومة، مشروع قانون الانتخابات القومية الجديد تعديل سنة (2014)، وكان القانون المعدل قد وضع في (2008) وتم العمل به في آخر انتخابات أبريل (2010). لكن القانون نفسه والتعديل اللاحق شُرّع بمعزل عن القوى السياسية التي يراد لها المشاركة في الانتخابات.

إن تعقيدات الأزمة السياسية في البلاد تبدو مثل مشهد بانورامي مُدهش، أو بالأحرى مفزع أشبه بلوحة سيريالية متداخلة الألوان بشكل فوضوي.. في ظل هذا التعقيد مضت الحكومة قدما وبإصرار في تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية لشيء في نفس يعقوب.. إن الاستمرار في عملية انتخابية في ظل هذا الواقع، عملية عبثية لا معنى لها سوى إعادة تحكم حزب المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير في الانفراد بمصير الوطن وإعادة إنتاج الأزمات الحالية.

تقول مفوضية الانتخابات إن عدد الأسماء المسجلة على القوائم الانتخابية هو 13 مليونا و600 ألف شخص من أصل تعداد سكاني يقدر بنحو 35 مليون نسمة. فهل ستمضي كل هذه المجاميع صوب صندوق الانتخابات رغم الضباب السياسي الكثيف؟


تعليق واحد