الطاهر ساتي

لولوة !


:: ومن النوادر التي تُحكى عن الرئيس الراحل جعفر نميري، رحمة الله عليه، أنه في إحدى مراحل حكومته أكثر من إحالة ملفات قضايا الناس والبلد إلي ( لجان)..وما أن يأتيه أي وزير أو مدير بقضية بحاجة الي قرار رئاسي عاجل يأمر باحالة القضية إلى لجنة.. وهذا ما لم يرق لأحبابه، فنبهه أحدهم إلى خطأ نهجه هذا موضحا أن هناك قضايا حلولها لاتحتمل التأخير و لا تستدعي ( تشكيل اللجان)، بل يجب حسمها عاجلا بقرار رئاسي، أوهكذا كان النصح..ويبدو أن نميري في تلك اللحظة لم يكن منتبها للناصح و مشغولا بأمر آخر، و لذلك ما أن أكمل الرجل نصيحته، عاجله قائلا : (خلاص بعدين نشكل لجنة تشوف الموضوع ده )..فخرج الناصح محبطاً..!!

:: واليوم أيضا، كما الحال منذ ربع قرن، تنتهج جهات بالدولة نهجا كذاك، ولم تطور ابداً..أي هناك قضايا ومخالفات بحاجة إلى حلول ومحاسبات حاسمة وسريعة، ولكن الجهات المسؤولة تستبدل المساءلة والمحاسبة والحلول بتشكيل اللجان وإحالة القضايا إليها..ولو أخضعنا صحف اليوم – وكل يوم – إلى مراجعة دقيقة، سوف نجد بأن مفردة ( اللجنة ) هي الأكثر والأعمق حضورا في الأخبار ذات الصلة بالمخالفات وقضايا الناس..ولم تصدر صحيفة ذات صباح – في هذا الوطن المنكوب بالقضايا والمخالفات – وهي لاتحمل خبراً عن تشكيل لجنة لمناقشة (قضية ما) أو للتحقيق في (قضية ما ).. إنها دولة لجان، وليست (قرارات)..!!

:: ثم البدعة، ما يلي نصاً..( شكلت وزارة الخارجية لجنة جديدة لمراجعة تقرير لجنة التحقيق في حادثة اعتداء موظفين بقنصلية السودان في جدة على المواطن أسعد التاي، فيما كشفت مصادر مطلعة عن وصول لجنة التحقيق من السعودية أمس عقب إكمال عملها، وأفصحت المصادر عن تشكيل الوزارة لجنة جديدة لمراجعة تقرير لجنة التحقيق بسبب التفاصيل القانونية الموجودة بالقضية، وينتظر أن ترفع اللجنة الجديدة تقريراً لوزير الخارجية علي كرتي للفصل النهائي في تقرير التحقيق)، الإنتباهة، يوم الخميس الفائت ..!!

:: لجنة أخرى ( جديدة)، لمراجعة تقرير لجنة التحقيق..والسبب المضحك – كما يبررون – التفاصيل القانونية الموجودة في القضية، علماً بأنها قضية إعتداء على مواطن و ليس ( وطن)..والمهم، هذا الخبر الغريب يعني أن اللجنة الجديدة بها قانوني أو أكثر لتحديد المخالفة وعقابها أو لتبرئة الأطراف..ولكن هذا التبرير المدهش (غير مقنع)، فاللجنة التي سافرت إلى السعودية بغرض التحقيق في القضية بها المستشار القانوني بوزارة الخارجية، الدكتورة رحاب المبارك ..ولا نظن أن الموصوفة بالتفاصيل القانونية الموجودة في القضية بعصية على مستشار قانوني و عضو لجنة التحقيق ..!!

:: وزارة الخارجية لم تتعامل مع قضية قنصلية السودان في الإسكندرية بنهج ( لجنة تلو لجنة)، بل تم إستدعاء القنصل ثم تمت المحاسبة سريعاً، فلماذا ( اللولوة) في قضية قنصلية جدة؟..على كل حال، لن نسبق الأحداث، ولكن ملامح مسار قضية أسعد التاي تكاد تكشف بأن القضية إنتقلت من مرحلة رحاب المبارك إلى ( رحاب الله)..نعم، حسب التجارب السابقة لوحدات حكومية أخرى، فأن كثرة اللجان في أية قضية ذات صلة بمخالفات كبار الساسة والأفندية تعني – للمواطن صاحب القضية – الإستعداد ل (رفع الفاتحة)..!!