مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : وثيقة «سد النهضة» تحصيل حاصل


ما كان يسع إثيوبيا أن تقوم من خلال تشييد سد النهضة بإلحاق الأضرار بالدولتين اللتين يمر عبرهما النيل الأزرق لوحده حتى الخرطوم ومع النيل الأبيض حتى عطبرة ومن هناك معه نهر عطبرة.. وهذه الأضرار قد أشارت إليها وثيقة مبادئ سد النهضة التي ستوقِّع عليها الدول الثلاث اليوم «السودان وإثيوبيا ومصر».. وأشارت إليها بصورة مكررة.
وإثيويبا كل ما فعلته هو تشييد «سد» لن ينقص حصتي السودان ومصر من مياه النيل الأزرق الذي يُشيَّد عليه السد داخل الاراضي الإثيوبية لأنها ليست في حاجة إلى كميات من المياه التي تتدفق نحو السودان ومصر. وحتى النيل هناك لا يمر عبر أراضٍ يمكن أن تصل كمشاريع زراعية كبيرة تهدد حصتي السودان ومصر.
وهنا في السودان خزان الرُّصيرص قبل وبعد التعلية وهو مشيد في الاقليم الاوسط، ومعه خزان سنار لم يضرا بإقليم العاصمة أو الاقليم الشمالي.. وخزان مروي لم يُلحق الضرر حتى الآن بمصر، والسد العالي لم تتضرر منه مشاريع الدلتا أقصى شمال مصر.. وبهذا المنطق، يبقى سد النهضة ليس بدعاً من السدود من ناحية انعاش التنمية.
وما لم تفعله السدود داخل السودان ضد المصلحة المصرية، لن يفعله سد النهضة. لكن «الاستعلاء القطري» وعدم الايمان واليقين. ولو كانت مصر بكل هذا الحرص على عدم المساس بحصتها من المياه، فعليها أن تراجع بعض الأفكار الانفصالية بداخلها التي يحملها بعض الاقباط والنوبيين.. فنقلها إلى التطبيق -لا سمح الله- يمكن أن يؤثِّر على كمية حصة المياه.. لكن سد النهضة اذا لم يُفِد لن يضر.
وتبقى هذه «الوثيقة» في تقديري طريقاً للتراجع المصري عن موقفه الاول من سد النهضة بصورة تحفظ ماء الوجه. فالوثيقة شكلاً يمكن أن تكون مطلوبة لهذا الغرض لكنها مضموناً ليس فيها ما يفيد.. فالمضمون تحصيل حاصل.
والوثيقة تقول بتعديل مواصفات السد حال ثبوت وقوع ضرر في تقرير المكتب الاستشاري الدولي المنفذ لدراسات سد النهضة.
والناس تسأل ما هو شكل الضرر الذي يمكن وقوعه على الدولتين الأخريين؟! اذا كان إنقاص كميات المياه، قلنا إن إثيوبيا في غنى عن مياه تتدفق نحو السودان ومصر.. ومصر الآن تتمتع بكمية عظيمة من حصة السودان غير المُستغلة بسبب قلة مشاريع التنمية التي تسببها الحروب. فما ينبغي أن يذهب من اموال لمشاريع تنموية جديدة للأسف يذهب إلى فواتير الحروب. دول كثيرة منها كانت في الماضي لها مصالح تجنيها من استمرار نسف الاستقرار في إثيوبيا والسودان، وهنا لسنا بصدد الحديث عن هذه المؤامرات. وتتحدث «الوثيقة» عن ضرورة الالتزام بالقانون الدولي واتفاقية الانهار الدولة. والسؤال هنا اذا كانت هناك اتفاقية دولية وقانون دولي يُنظِّم استغلال المياه في دول المنابع أو الممرات أو المصبات، فلماذا الوثيقة أصلاً؟!.. اذا كانت حقوق مصر والسودان محفوظة بهذه القوانين والاتفاقيات، ما معنى هذه الوثيقة إذن؟!
لقد ركزت الوثيقة واكثرت من عبارات «تجنب الاضرار» دون أن تحددها.
كان المفروض أن يكون التعامل مع اثيوبيا صاحبة المشروع عبر القنوات الدولية من البداية بدلاً عن التهديد ثم التراجع عنه بما يحفظ ماء الوجه وهو وثيقة تحصيل الحاصل.
لقد اضاعت الدول الثلاث الوقت في مشروع وثيقة رددت نصوص القانون الدولي والاتفاقيات الدولية الخاصة بالأمر.. وهذا ما كان يحتاج إلى «وثيقة» أصلاً.
إن الذي يحمي الحقوق هو القانون الدولي والاتفاقية الخاصة بالانهار، وليس مثل هذه الوثيقة التي لا أرى لها ضرورة اذا كانت تذكر القانون والاتفاقية الدولية.


تعليق واحد