داليا الياس

احذروا الحزن


تأملت الوجوه القريبة.. وجدتها جميعاً مكسوة بحزن شفيف، بعضه مخبوء في العيون.. وبعضه يطفو على سطح الملامح، فيحيلها إلى شيخوخة مبكرة تفقدها حيويتها ونضارتها وإقبالها على الحياة.. وقد تكون أسباب ذلك الحزن منطقية.. رغم اختلافها وتباينها في ما بيننا.. ولكننا نتحدث عن الحزن من حيث المبدأ.. فليتنا نتواثق جميعاً على ألا نحزن.. فالشاهد أنه شعور مقيت ومنهي عنه في كل الشرائع والأعراف.

قال ابن القيم رحمه الله:

لم يأت (الحزن) في القرآن إلا منهياً عنه كما في قوله تعالى: “ولا تهنوا ولاتحزنوا”..

أو منفياً كقوله: (فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)!

وسر ذلك أن (الحزن) لا مصلحة فيه للقلب، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد المؤمن ليقطعه عن سيره ويوقفه عن سلوكه ويسلمه لليأس والسخط.

وقد استعاذ منه النبي صل الله عليه وسلم حيث قال: “اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن”.

لذا يقول ابن القيم: الحزن يضعف القلب، ويوهن العزم ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن!

لذلك افرحوا واستبشروا وتفاءلوا وأحسنوا الظن بالله، وثقوا بما عند الله وتوكلوا عليه وستجدون السعادة والرضا في كل حال.. فالشاهد أن السعادة المطلقة تبدأ من الداخل.. ومن رغبتنا الأكيدة فيها.

ويمضى الإمام بن القيم فيقول:

“ﻻ‌ ﺗﻔﺴﺪ ﻓﺮﺣﺘﻚ ﺑﺎﻟﻘﻠﻖ، ﻭﻻ‌ ﺗﻔﺴﺪ ﻋﻘﻠﻚ ﺑﺎﻟﺘﺸﺎﺅﻡ، ﻭﻻ‌ ﺗﻔﺴﺪ ﻧﺠﺎﺣﻚ ﺑﺎﻟﻐﺮﻭﺭ، ﻭﻻ‌ ﺗﻔﺴﺪ ﺗﻔﺎﺅﻝ ﺍﻵ‌ﺧﺮﻳﻦ ﺑﺈﺣﺒﺎﻃﻬﻢ، ﻭﻻ‌ ﺗﻔﺴﺪ ﻳﻮﻣﻚ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻷ‌ﻣﺲ!” – “ﻟﻮ ﺗﺄﻣﻠﺖ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﻚ ﻟﻮﺟﺪﺕ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻋﻄﺎﻙ ﺃﺷﻴﺎﺀً ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ؛ ﻓﺜﻖ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﻤﻨﻊ ﻋﻨﻚ ﺣﺎﺟﺔ ﺭﻏﺒﺘﻬﺎ ﺇﻻ‌ ﻭﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻊ ﺧﻴﺮاً”.

ربما تكون نائماً فتَقرع أبواب السماء عشرات الدعوات لك، من فقير أعنته، أو حزين أسعدته، أو عابر ابتسمت له، أو مكروب نفست عنه..

فلا تستهن بفعل الخير أبداً.

يقول أحد السلف:

“إني أدعو الله في حاجة فإذا أعطاني إياها فرحتُ مره وإذا لم يعطني إياها فرحتُ عشر مرات، لأن الأولى إختياري والثانية اختيار الله”.

ويقول ابن سعدي رحمه الله:

الحياة قصيرة فﻻ تقصرها بالهم والغم والحزن..

** فكن صاحب قلب يتنفس الرضا والقناعة قدر استطاعتك.. ولا تسلم نفسك لأحزانك.. ولا تبثها في محيطك.. اجتهد كي تسعد غيرك وتستمتع بسعادتهم.. وتذكر أن الحياة أقصر من أن ننفقها في حزن مقيت يقتات من دمنا.

تلويح:

أحزاني تكذب يا قلبي.. ما عدت أصدق أحزاني!!