عثمان ميرغني

أحلام (الطفل المعجزة)..!!


(الطفل المعجزة) هو لقب أطلقه أحد مرشحي رئاسة الجمهورية على نفسه.. لأنه أصغر مرشح للرئاسة.. ولـ (الطفل المعجزة) برنامج انتخابي هو الآخر (معجزة!!)؛ يقوم على فكرة نقل كل سكان السودان إلى العاصمة المثلثة.. ليتمكن السودان من زراعة بقية الأراضي الخالية من السكان!!.
ورغم أن برنامج (الطفل المعجزة) واجهته عاصفة من السخرية.. إلا أنني وبعد تأمل في أحداث اليومين الماضيين خامرني إحساس أن (الطفل المعجزة) فعلاً على حق.. يجب نقل جميع سكان السودان إلى العاصمة.. لكن ليس لنزرع بقية المساحات الخالية من السكان.. بل لسبب آخر أكثر وجاهة.. السبب هو حل مشكلة ماء الشرب..
أصل الحكاية.. أن بعض أحياء مدينة الخرطوم عانت خلال الأيام الماضية من انقطاع الماء.. وفي الحال توتر الطقس (السياسي!!).. خرجت بعض التظاهرات.. وارتفعت حرارة الدولة وهي تسرع في معالجة الأمر لتتجنب مزيداً من التوتر في موسم الانتخابات..
هذه الصورة (الخرطومية) تقابلها صورة أخرى ولائية.. مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان.. المدينة التأريخية والتجارية المهمة.. تعاني من العطش ولعقود طويلة.. بلا تظاهرات.. ولا توترات.. وتمر عليها مواسم الانتخابات بلا أدنى صداع أو قلق..
وفي المقابل.. مدينة بورتسودان.. بوابة السودان وشريانه الذي لولاه لاختنق السودان.. تكابد العطش، وتذرف الدموع في انتظار حلم أن تشرب من ماء النهر، أو البحر، أو المطر، أو كلها معاً.. وتتالى الانتخابات، ومواسم السياحة، والتسوق.. ويستمر العطش.. بلا أدنى قلق أو توتر..
لماذا حين يعطش حي في الخرطوم تضطرب الدولة، وتشمر من همتها لتخرج من الأزمة بأعجل ما تيسر.. بينما تلك المدن وبكل ما ومن فيها تنتظر لعقود وأجيال تحت هجير شمس العطش.. في بلادٍ الماء فوق ظهورها محمول..
إذن فكرة (الطفل المعجزة)- فعلاً- تحل الأزمة.. ننقل جميع سكان السودان إلى الخرطوم.. فإذا انقطعت الماء.. أو شحت المواصلات.. أو ندر الخبز.. أو طرأت أي مكدرات أخرى، سرعان ما تخرج تظاهرات في الأحياء المتضررة.. وتسرع الحكومة لحل المشكلة.. فيصبح جميع سكان السودان محل اهتمام الحكومة.. وتحت رعايتها- هنا- في الخرطوم..
الفكرة جادة لا تضحكوا من المفارقة فيها.. عندما تولي الحكومة كل رعايتها للعاصمة الخرطوم.. وتركز فيها الخدمات، فإن النتيجة الحتمية هي هجرة كاسحة نحو العاصمة فتصنع مشكلتين.. مشكلة للولايات التي أُفرغت من سكانها.. ومشكلة في تزاحم البشر في العاصمة؛ فتفشل الخدمات- مهما عظمت- في الإيفاء بمتطلبات الكثافة السكانية المتزاحمة في الخرطوم..
بينما.. لو اهتمت الحكومة بتوفير كل مطلوبات العيش الكريم السهل في الولايات، فإن ذلك ينهض بالولايات، وسكانها، فيساعد في عدالة توزيع الكتلة السكانية؛ بتحقيق العدالة في توزيع الخدمات على جغرافية السودان أجمع.
لا أقصد بحديثي هذا أن تتجاهل الحكومة سكان العاصمة عند احتجاجهم.. بل أن تستشعر الحكومة الحاجة الحقيقية لصياغة مخطط هيكلي قومي على مستوى السودان.. لتحقيق تنمية متوازنة وعادلة..