تحقيقات وتقارير

جامعة الخرطوم.. ورحلة العودة للديار


جاءت الانقاذ منذ بدايتها بقياداتها والتي ولتها في مواقع حساسة وتحملت القيادات الاسلامية ملابسات الاختيار خضوعا لرغبة التنظيم الاسلامي الاشهر في تاريخ البلاد تاركة وظائفها التي كانت تشغلها داخل وخارج البلاد بما يعرف بالاستقطاب تحت لافتة التمكين تلك اللافتة التي ازاحت المئات من الكوادر الاكاديمية والطبية بل في كل المجالات لتحل محلها وجوه محظوظة وقع اختيار التنظيم عليها للثقة التي تتمتع بها ولكونها تنفذ سياسة هذه الحكومة ونجد انه ولأجل ان تحصل تلك الكوادر المنظمة مثلما هو شائع علي وظائف فصلت خصيصا لها فقد استغنت مؤسسات كبيرة من ضمنها جامعة الخرطوم استغنت عن كوادر خبرتها المعروفة اكاديميا فقط للخلافات السياسية وهاجرت تلك الكوادر الي الخارج وبحث آخرون عن البدائل لاجل الحصول علي لقمة العيش

هكذا دارت بالبعض الدوائر ارضاء لاصحاب الحظوة بحسب مراقبين ففقدت جامعة الخرطوم كغيرها من المؤسسات الحكومية فقدت خيرة اساتذتها في بدايات هذه الحكومة وتعتبر جامعة الخرطوم من ابرز المؤسسات التعليمية التي يرتبط بها المنتمون اليها في شعور غريب تلحظه في الذين تخرجوا منها منذ عشرات السنوات ولكنهم مرتبطون وجدانيا وتمثل لهم الجامعة الحضن الآمن ذلك ان لجامعة الخرطوم نوادر وحكايات شهدتها جنباتها للافراط في النشاط السياسي الذي ميز الجامعة دونا عن غيرها والمتابع لانشطتها يكتشف انها تحتضن كل التيارات السياسية في حب غريب ورغم دموية النقاشات بين طلابها ووجود ضحايا للعنف السياسي بين جنباتها الاان التصعيد لم يثن الطلاب عن ممارسة حقوقهم والاندراج في الحراك السياسي .
ومعروف ان جامعة الخرطوم قد انجبت قيادات كان لها دورها السياسي والاكاديمي ورغم الخلافات السياسية لم تستغن الجامعة عن كل المختلفين معها سياسيا بل ابقت علي بعضهم لندرة مهامهم الاكاديمية احيانا ولاسباب اخري تختص بأنهم وجوه اكاديمية بحتة ولا علاقة لهم بالسياسة ورويدا رويدا وتبعا للحراك السياسي الذي انتظم البلاد وعقب توقيع اتفاقية نيفاشا عاد الدكتور محمد يوسف احمد المصطفي ضمن الاتفاق وهو قيادي بارز بالحركة الشعبية وعاد دكتور محمد كوزير لوزارة العمل ضمن تصنيفات الحركة الشعبية وقتها وهو كان قد تم فصله من الجامعة فصلا تعسفيا الا انه وعقب مغادرته لكرسي الوزارة عاد الي الجامعة كأستاذ مثلما كان سابقا وقال الدكتور محمد يوسف في افادته (لإلوان) في قصة حبه لجامعته انه دخلها منذ السبعينات كطالب ولم يغادرها إلا للدراسات العليا ثم عاد مرة اخري وكان مرتباً امره بحسب تعبيره للاستمرار في الجامعة واعطائها كل ما يستطيع لانها تستحق حسبما قال كل التعب واضاف دكتور محمد بالقول بان جامعة الخرطوم من المؤسسات المهمة في مجتمعنا السوداني الاانني فصلت منها تعسفيا عام 1992م وغادرتها مكرها ولكني عدت كأستاذ فيها حتي قبيل التوقيع علي اتفاقية السلام تاركا الجامعة التي كنت اعمل بها رغم الامتيازات التي كانت تقدمها لي إلا انني تركت كل شئ من راتب باذخ وظروف عمل ممتاز وعدت لاعمل تحت ظروف صعبة لاخدم المؤسسة التي اعمل بها ويمضي دكتور محمديوسف في سرد قصة عشقه للجامعة ويقول انه بعد عام وقع عليه الاختيار ليعمل في منصب دستوري كوزير وقررت الموافقة علي الا اقطع عملي بالجامعة وبالفعل واصلت التدريس بأنتظام طيلة فترة عملي كوزير وكذلك الاشراف علي طلاب الدراسات العليا الذين كنت اشرف عليهم وتركت عملي كوزير وواصلت في الجامعة وطيلة عملي الدستوري لم اكن اتلقي مليما وا حدا نظير عملي بالجامعة لانه غير مسموح ولذلك كنت متعاوناً وحتي اجري بالساعات تنازلت عنه وعندما عدت وفقت اوضاعي المالية باخذ مرتب وفقا للقانون والدستور واضاف دكتور محمد بقوله انه لم يبعد عن الجامعة ولم يغادرها لاكيانا ولاعاطفة ولاوجدانا بل هي الاقدار التي اطاحت بي بعيدا لاكون في مكان بعيد ولكني تركته وتمسكت بتبعاتي في الجامعة منوها الي انه لايزال يؤدي دوره الذي يجد فيه نفسه وهو متابعة البحوث والمناقشة مع الطلاب الاذكياء وهو المناخ الذي اجد نفسي فيه ولذا اشعر برضا رغم ان هنالك شدة في الجوانب الاقتصادية والادارية ولكنني لازلت افضل موقعي هذا دونا عن غيره .

*الحوجة الماسة
لم يكن دكتور محمديوسف لوحده من عاد ادراجه للجامعة بل قيادات عديدة عادت للمدرجات ممسكة بالطبشيرة مرة اخري ابرزهم البروفيسور الزبير بشير طه واليا سابقا للجزيرة والذي قدم استقالته مؤخرا ضمن اجراءات تعديلات نفذتها الحكومة ثم الدكتور الحاج ادم يوسف نائب رئيس الجمهورية الاسبق والذي عاد من القصر للجامعة كاستاذ اكاديمي مثلما كان بكلية الهندسة الزراعية وايضا نجد البروفيسور الامين دفع الله ريئس الجامعة ومعروف ان بروف الامين كان نائبا برلمانيا وكان وزيرا للتخطيط الاستراتيجي قبل ان ينهي مهامه ويعود مجددا للجامعة واقفا علي رأسها مباشرة .

واذا سألنا عما اذا كان هؤلاء الاساتذة قد عادوا لاسباب سياسية او اكاديمية بحتة سنجد ان الدكتور عوض الكريم الكرسني الاستاذ بجامعة الخرطوم قد قال بأن بعضا من هؤلاء الاساتذة قد كانوا بالجامعة اكاديميين ولكنهم غادروا لتولي مناصب تنفيذية للضرورة ولكنهم عادوا لحوجة الجامعة لهم والاستفادة منهم في البحوث العلمية ورغم ان لوائح الخدمة تحيلهم للمعاش الا ان تعيينهم اعيد مرة اخري للحوجة لهم للتدريس واضاف الكرسني بالقول بأنه ومنذ عهد الريئس الاسبق جعفر محمد نميري فقد عمل الكثيرون وقتها في مواقع تنفيذية ثم عادوا الي الجامعة مرة اخري ولذلك يري الكرسني انه لاغضاضة في عودة هؤلاء الاساتذة لأن الجامعة تحتاجهم وهنا يقول الدكتور عبدالرحيم علي القيادي المعروف بالحركة الاسلامية يقول انه لم يعد يعمل بجامعة الخرطوم ولكن الجامعة هي المكان الاصلي لكل استاذ جامعي مؤهل ولذلك فالمنصب يعتبر نشاط خارجياً او داخلياً ولكن الاصل هو ان المعلم يظل معلما الي ان يموت واضاف دكتور عبدالرحيم علي في افادته (لإلوان )بأن الاساتذة مرتبطون بالجامعة حتي سن الثمانين مثلما هو الحال في جمهورية مصر العربية ذلك لان مقدرة الاستاذ الجامعي ترتبط بمقدرته علي العطاء لكون ان نشاطه ليس بدنيا فقط .

* المدرجات الجاذبة
وفيما يبدو فان للمدرجات سحرها وتأثيرها علي الاكاديمي حتي لو اوصلته السياسة لمناصب عليا ففي الآخر يحن بعد انتهاء مهامه التنفيذية الي المدرجات وهاهو الدكتور الحاج ادم يوسف نائب الريئس الاسبق قد عاد مباشرة من القصر الي اروقة جامعته ووسط طلابه وكأنه لم يكن يوما محاطا بحرس وتتقدمه سيارة التشريفة كما هي العادة في البروتكولات الرئاسية ويتجرد الرجل من كل ذلك ليعود الي اصله تاركا الصورة ممثلة في زخم الحكم ومسئولياته وفي ذلك دلالة علي ان العودة للجذور ايا كانت طرق المغادرة هي عودة مرحب بها وفي ذلك يقول المحلل السياسي المعروف الاستاذ ناصر بكداش ان عودة اساتذة جامعة الخرطوم اليها مرة هي دليل عافية وصحة في العمل السياسي السوداني وان هناك قيادات سياسية محددة ممكن ان تعمل في العمل السياسي الصرف ولكنها بالضرورة ترجع للعمل الرسمي ويبقي الاحتراف ممكناً في السياسة ولكن ممكن يقدم في عمله الاكاديمي اكثر من السياسي وهو تطور جيد والآن والحديث لناصر بكداش فان الريئس الامريكي بيل كلنتون قد ترك مقاعد الرئاسة ليعمل كمحاضر في الجامعة وكذلك مستشارة الامن القومي الاميريكية كوندليزا رايس وغورباتشوف ونحن كسودانيين يمكن ان يدخل في مفهومنا تطور جديد وهو ان السياسة وممارستها لا تكون للابد بل عمل طارئ وهكذا بإمكان الاستاذ الجامعي العودة لجامعته والطبيب يعود لعيادته ومشفاه ويقول بكداش ان هذه القيادات التي عادت الي جامعة الخرطوم رغما عن انها محسوبة علي الحركة الاسلامية وهي شخصيات مكررة بقيت في مواقعها لفترة طويلة ولظروف تنظيمية تركت مناصبها واجبرت علي ذلك لتعود لمواقعها الاصلية بالجامعة .

ويري مراقبون ان الارتباط الاكاديمي للاستاذ الجامعي وجداني ولكون ان الاجواء الاكاديمية ليس فيها توتر مثلما هي الوقائع السياسية المليئة دوما بالتوتر وشد الاعصاب والقرارات المفاجئة والغير معقولة في اوقات كثيرة الامر الذي يدفع اساتذة الجامعات ممن اندرجوا في المواقع المختلفة الي الانتقال بسلاسة الي الاسرة الجامعية وهكذا لايجد الاستاذ الجامعي ادني معاناة في الانخراط حتي لو طالت فترة توليه لمنصب ما في اي مكان فيعود الي موقعه مستأنفا لمهنة التدريس وكأنه كان في استراحة محارب ليعود بعدها وهو اكثر قوة عن ذي قبل ويظن بعض المراقبين ان حوجة الجامعة للاساتذة جعلها ترحب ببعضهم خاصة اؤلئك الذين وقع عليهم الاختيار التنظيمي مجبرا لهم علي ترك مواقعهم لفترة قد تطول او تقصر وان تعامل الجامعة معهم بذلك النحو انما يعود لكون الجامعة تثق في قدراتهم الاكاديمية وعلي ضؤء ذلك تحدد سلفا رغبتها فيهم فيما لو قرر احدهم العودة للأم الرؤؤم فتقابله بذراعين مفتوحين وكأنهم كانوا غائبين وهكذا نجد ان الايام وحدها من يقرر ويحدد وجهة الانسان والي اين يتجه وتسوقه اقداره ونجد انه ومهما كانت الاسباب والملابسات التي ساقت الشخص الي وجهة محددة نجد ان الظروف نفسها والملابسات ذاتها هي من تقرر عدم الاستمرارية ولكن بدون شك تختلف تلك الملابسات عن الاخري ومن هنا كان مصدر المثل الذي يقول (لو دامت لغيرك ماآلت إليك )في دلالة علي ان المناصب والمواقع متحركة ولكن نكتشف بأن جامعة الخرطوم هي بمثابة الملاذ الآمن والحضن الدافئ الذي يهرع اليه كل غاضب اوعاشق جارت به او لم تجور الحياة بطقسها المتقلب تلك التقلبات التي لطالما غضت مضاجع الالوف مجبرة لهم علي تغيير مواقعهم او تبديلها او الهروب منها بأقل الخسائر ثم البحث عن الامان في مواقع اخري اكثر استقرارا نفسيا اكثر من ماديا بحسب افادة دكتور محمديوسف ذلك ان اساتذة جامعيين كثر رضيوا برواتب اقل خدمة للجامعة مثلما فعل هو ذلك مما يؤكد بأن الاغراءات المالية قد لا تحمل بعض الاوفياء علي الاستجابة لها فيحجمون عن التجاوب مما يعتبر ذلك قمة في الوفاء في ظروف اقتصادية جعلت خيرة ابناء هذا البلد يهرعون للخارج لتحسين اوضاعهم المادية وتصبح قضية العودة للجذور ممثلا لعودة بعض القيادات لجامعة الخرطوم قضية حب عميق وود تتبادله الجامعة مع هؤلاء الاساتذة في تزاوج تباركه الاكاديميات ويحظي بموافقة الجميع لتنتهي كل اسباب فشله وترتفع نسبة النجاح هنا في تصاعد سريع لثيرمومتر السعادة من الطرفين 0ولكن بالمقابل يري بعض المراقبين ان التنظيم السياسي هو الذي يحدد مواقع اساتذة الجامعات الذين يتبعون للمؤتمر الوطني ذلك ان هؤلاء يتم اختيارهم وانهاء خدماتهم وفقا لرؤية حزبهم ولان الحكومة تتدخل في التعيين الاكاديمي فمتي ما رأت ان وزراءها قد اكملوا مهامهم
تقوم بإعادتهم مرة اخري لجامعاتهم وكثيرا ما فقد اساتذة جامعيون بجامعة الخرطوم اماكنهم ارضاء لفلان وعلان.

غادة احمدعثمان
صحيفة ألوان