الهندي عز الدين

“أحمدون”. . وداعاً صاحب القلم العفيف!


غادر دنيانا الفانية ظهر أمس (الخميس) الصحفي المعروف الأستاذ “عبد الرحمن أحمدون”، أحد كتاب (المجهر) الراتبين، تقبله الله قبولاً حسناً وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .
التقيت بالأستاذ “أحمدون” لأول مرة في العام 1996 مع بدايات صدور صحيفة (ألوان) وأنا بعد محرر صغير أتلمس الطريق إلى صاحبة الجلالة . كان الراحل أحد رؤساء الأقسام بالصحيفة وقد جاءها وضيئاً من جريدة (الإنقاذ) ومجلة (الملتقى) التي لم تتكرر في زمن القامة المرحوم “عبد المنعم قطبي”.
يومها لم يكن عدد الصحف يتجاوز (أربع) صحف، تماماً كما يريد البعض لصحافتنا أن تعود الآن للعام 96، (كماً)، لا (كيفاً) فمساحة الحريات يومها كانت أوسع وأرحب، والذين تابعوا تلك الفترة يذكرون جيداً ماذا وكيف كان يكتب الأستاذ “حسين خوجلي” والراحل الكبير “محمد طه محمد أحمد”!!
تميز “عبد الرحمن أحمدون” بالجمع بين صحافة المنوعات والتحقيقات والشؤون الدولية تساعده في ذلك إجادته الرصينة للغة الإنجليزية، كما أشرف على صفحات الحوادث والجريمة، والفنون إبان رئاسته لتحرير صحيفة (الحياة والناس) عقب دورة رئاسة الأستاذ الرائع ساحر السخرية والبساطة “سعد الدين إبراهيم” لذات الصحيفة في النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم.
كان “أحمدون” معلماً قديراً خرج أجيالاً، ثم صحفياً مثقفاً ومطلعاً باستمرار، صاحب خيال مبدع ومنتج، كتب في الدراما التلفزيونية ورفد المكتبة السودانية بعدة كتب من بينها قصته عن جهاز (الموساد) الإسرائيلي.
على الصعيد الشخصي، عرف الراحل باعتداد رقيق بنفسه وقدراته، في زمن فوضى الإدعاءات الكذوبة و(تلاحق الكتوف) الوهمي في أذهان بعض الذين (يحرقون) المراحل في الصحافة السودانية دون إمكانيات و(بنيات أساسية)، أو أولئك القاعدون على رصيف الفشل في (النت) أو على هامش الصحف يسفهون اجتهادات وأعمال الناجحين فينسبونها مرة للحكومة، ومرة للحظ !!
لم يكن “أحمدون” محظوظاً، ولا انتهازياً متربحاً، مات فقيراً وعفيفاً، لم يدخر مالاً ولم يكنز ذهباً ولا فضة بعد كل سني اغترابه بالسعودية، وكفاحه في صحافتنا المكافحة من أجل البقاء للحق والنصيحة والفضيلة.
رحل “عبد الرحمن” وآخر كلماته صاغها هنا . . عموداً لـ(المجهر)، ونحن نفخر أن هذا المقاتل الجاد ختم حياته المهنية معنا، سعدنا برفقته في (الدنيا أم بناية قش) وسعد بحضوره الأخير معنا.
ألا رحمه الله.. بقدر ما وسعت رحمته. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ).