الطيب مصطفى

النازحون والخطر الداهم يا وزير الداخلية


وأعجب ما في عجائب هذا اليوم خبر اجتماع وزير الداخلية الفريق عصمت عبد الرحمن بوزير داخلية جنوب السودان اليو أجانق لمناقشة ملف الحريات الأربع وفتح المعابر!

الخبر في ظاهره لا يطمئن بالرغم من أن الفريق عصمت قد دعا في ختام الاجتماع إلى تكثيف الجهود لمعالجة القضايا العالقة والذي يمكن أن يفهم منه، إذا أحسنَّا الظن، أن تُعلق الحريات الأربع إلى حين الفراغ من إنفاذ الاتفاقيات الثماني الأخرى مع دولة جنوب السودان.

دعونا نتحدث قليلاً عما يجري في جنوب السودان تمهيداً للحديث عما ينبغي أن يسود علاقة السودان بالدولة الجديدة التي خرجت من جنوبنا الجغرافي القديم، فقد شهدت الأمم المتحدة في شخص مديرة برنامج الغذاء العالمي آرثرين كازين أن أكثر من ثلاثة ملايين شخص في جنوب السودان بحاجة ماسة إلى الغذاء بسبب الأزمة السياسية والكوارث الطبيعية في البلاد، مضيفة في مؤتمر صحفي عقدته في جوبا أن الأوضاع الإنسانية التي يمر بها النازحون في بعض المناطق (صعبة جداً) على حد وصفها وأنها ستزداد صعوبة مع قدوم موسم الأمطار.

بالرغم من موجات النزوح الكبيرة نحو السودان من الدولة الجديدة فراراً من الجوع والحرب الطاحنة والتي تعاني منها بصفة خاصة الولايات السودانية المتاخمة لجنوب السودان وبالرغم من أن الهجرة نحو الخرطوم تزايدت بشكل كثيف خلال الأشهر القليلة الماضية فإن إدارة الهجرة والجنسية لا تكترث كثيراً في رأيي لطوفان النازحين القادمين من دول الجوار، فتخيلوا بربكم ما يترتب على نزوح مليون واحد من الثلاثة ملايين جنوبي الذين تحدثت عنهم مندوبة الأمم المتحدة نحو السودان ليضافوا إلى مئات الآلاف الذين سبقوهم إلى النزوح في أوقات سابقة.

قبل يومين نقلت الصحف السودانية عن بعض المسؤولين أن الخرطوم تحتضن أكثر من مائة ألف جنوبي مسجلين في أوراق رسمية، فما بالك بأضعافهم ممن لم تصلهم يد السلطات المختصة؟!
إذا كان رئيس الجمهورية قد تحدث في الأسبوع الماضي عن وجود خلايا نائمة من الحركات المتمردة في الخرطوم، وإذا كنا نعلم يقيناً التداخل الكبير بين مشكلة الحرب الأهلية في جنوب السودان ومشكلة الحرب المندلعة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي يشعلها قطاع الشمال والحركات الدارفورية الضالعة في الصراع بين طرفي النزاع في جنوب السودان فإن ذلك مما يرجح احتمالات زرع خلايا نائمة من قبل أطراف الجبهة الثورية من خلال موجات النزوح التي تنشط هذه الأيام مستغلة الحالة الإنسانية المواتية وضعف وهشاشة آليات المراقبة والمتابعة لرصد العناصر المزروعة والتي (تلبد) لاستغلالها وقت الحاجة في حرب لم يخفِ مشعلوها من قطاع الشمال والجبهة الثورية أهدافهم العنصرية (التحريرية) إنما أعلنوها على رؤوس الأشهاد.

أعجب والله أن السودان الذي يعاني من ضائقة اقتصادية واحتقان سياسي يمسك بخناقه يتعامل بهذه السذاجة في قضية خطيرة ذات تأثير كبير على أمنه القومي وعلى صحة مواطنيه وعلى اقتصاده الذي ينبغي أن تُبذل الجهود في سبيل إنقاذه بدلاً من زيادة أعبائه من خلال نازحين لا يملكون ما يسد رمقهم أو يستر عورتهم!

أقسم بالله أنه ما من دولة في العالم حتى أمريكا بثرواتها الهائلة أو أوروبا يمكن أن تفتح أبوابها ومعابرها في وجه هجرات مليونية أو حتى لأفراد بدون أن تخضع ذلك لإجراءات أمنية مع وضع التحوطات الصحية وغيرها، خاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بهجرات تجر معها أمراض الإيدز والإيبولا وغيرهما.

لطالما كتبنا عن أهمية إيجاد آلية مركزية للتعامل مع قضية الهجرة بالنظر إلى أن السودان محاط بعدد من الدول معظمها أقل منه من حيث مستوى المعيشة مما يجعله منطقة جذب للهجرات من جنوبه وشرقه وغربه، وذلك بغرض توحيد معايير التعامل مع تلك الهجرات حتى لا يخضع ذلك للأنظمة المعمول بها في كل ولاية بعيداً عن الرؤية الموحدة التي يمكن أن تتعامل بها الآلية المركزية المزودة بأجهزة الرقابة الإلكترونية والصحية وغيرها.

أخاطب وزير الداخلية بصفته المسؤول السياسي الأول عن الهجرة أن يولي هذا الأمر اهتمامه، أما الجنوب وحرياته الأربع فإنه يحتاج إلى نظرة أعمق من ذلك وإجراءات أكثر حزماً سيما وأنه ينفرد بخاصية خطورته على أمن البلاد القومي أكثر من الجهات الأخرى.

ذلك كله لا يقدح في أهمية إيلاء الجوانب الإنسانية ما تستحق من اهتمام مع توازن تقتضيه المعالجة السياسية والأمنية والصحية الراشدة المراعية للمصلحة الوطنية العليا.