حيدر المكاشفي

جارة لجارتها ( كوز موية لو سمحتي وشوية شمار)


من أكثر التعليقات سخرية على أزمة المياه التي ضربت وما تزال عدداً من أحياء العاصمة، التعليق الذي سمعته نقلاً عن أحد (الزهاجى)، قيل أنه قال إن الماء اليوم في أحياء المعاناة دخلت ضمن قائمة التبادل السلعي المعروفة لدى الأسر السودانية من غير (الناس النقاوة والهاي ليفل) سكان العمارات والفلل، وصار من الطبيعي والممكن أن تسمع جارة بعد أن تعتلي كرسي أو تربيزة وتمد رأسها من فوق الجدار الفاصل، تنادي على جارتها صائحة (يا فلانة هوي لو عندكم شوية موية عليك الله أديني في كوزي دا، وبالمرة شوية شمار)، وليت الأمر وقف عند هذا الحد المؤلم بل تجاوزه إلى أنك بسبب الفاتورة المدمجة تجد نفسك قد اشتريت مقدماً السراب وشخير الصنابير، وهكذا ينطبق عليك المثل القائل (ميتة وخراب ديار)، ولك أن تتخيل مدى السوء الذي سيفسد عليك حياتك إذا تحالف عليك انقطاع الماء مع انقطاع الكهرباء الذي بدأت نذره تلوح، فبالأمس عشنا في هذه الصحيفة (التغيير) على مدى نحو أربع ساعات لحظات مقلقة بسبب انقطاع الكهرباء، وإذا لا قدر الله تحالف ضدك هذا الحلف البغيض تجد نفسك تعيساً تعاسة من يعيش في (حي الصقور لا موية لا نور)، مثلما يقول الساخرون عن الحي الذي يفتقر لهذه الخدمات الأساسية المهمة…

إن الله تعالى يقول: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» صدق الله العظيم…
إذن الماء هو سر الحياة، فلا حياة بلا ماء…
وحين يفقد الإنسان الماء، ما الذي يبقى له…
وحين لا يجدها فما الذي يمكن أن يجده…
هل يجد اللقمة الهنية والفرش الوثير والراحة والدعة…
هب أنه وجدها كلها، فماذا تعني له حين لا يجد الماء…
المؤكد أن حياته ستبقى بلا معنى… ووجوده سيكون بلا قيمة، هذا إن بقي على قيد الحياة حتى يجد الماء.. الماء هو أولى الأولويات وأهم الاحتياجات الضرورية على الإطلاق…
بها نحيا وبعدمها نموت…
قطع الأعناق ولا انقطاع المياه…

إننا والله لا ندري لماذا يتعذر الحصول على الماء في هذه العاصمة التي يشقها نيلان ونهر، ولا ندري لماذا تتعثر الحلول على كثرتها، ولماذا لا تأتي الوعود أكلها على تواليها من والٍ إلى والٍ، هل ذلك لأسباب موضوعية هيدرولوجية، أم لأخرى إدارية وتمويلية، إن كانت الأولى فتلك مشكلة لا تبرئ ذمة الولاية، وإن كانت الثانية فوزرها بالكامل على الولاية، فليس فوق الماء شيء يمكن أن تعيره الولاية اهتمامها الإداري وسخاءها المالي، فلتنظر الولاية ماذا هي فاعلة بهذه المشكلة الحقيقية غير المختلقة ولا المصنوعة، فلا هي من اختراعات الطابور الخامس ولا هي من تخرصات المغرضين والمرجفين في المدينة، مشكلة حساسة واحتياج حيوي، تحتاج إلى بذل كل الجهد وجل المال…