د. ياسر محجوب الحسين

الرياض والخرطوم.. شهر العسل


عندما زار الرئيس عمر البشير دولة الإمارات الشهر الماضي قلنا إن الرجل جاء ممتطيا براغماتية لا ريب فيها، مؤكداً أن مواقفه السابقة كانت خطأً لا تحتمل الصواب.. فقد انتقد بجرأة كبيرة التنظيم الدولي للإخوان واعتبره مهددا لأمن الخليج، وقال للصحافة الإماراتية:”لست إخوانياً وليس لدينا علاقة تنظيمية بهذه الجماعة”.. الأسبوع الماضي أتبع البشير زيارته للإمارات بزيارة للسعودية.
ربما كانت عنوانا لمرحلة جديدة في علاقات الخرطوم بالرياض. اللافت أنه في حين تعاملت الإمارات بتحفظ – إن لم يكن ببرود – مع زيارة البشير لها، نجد أن السعودية أظهرت حفاوة ظاهرة بالضيف السوداني.. فهل كانت تلك الحفاوة تدشينا لمرحلة تحالفية جديدة في عهد الملك سلمان الجديد، أم أنها مرتبطة فقط بالظرف الإقليمي في اليمن ومشاركة الخرطوم الفاعلة في “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران؟
في الرياض قال البشير خلال مباحثات مع العاهل السعودي: “إن أمن المملكة العربية السعودية وأمن الحرمين الشريفين يمثل خطاً أحمر بالنسبة للسودان” وبعدها التقى البشير بوزير الدفاع السعودي. وبالتزامن مع هذه الزيارة شارك السودان في “عاصفة الحزم” بثلاث طائرات حربية، وسط تأكيدات على استعداده للمشاركة بقوات برية، وقال وزير الدفاع السوداني، إن “الجيش سيشارك جوياً وبحرياً في عمليات عاصفة الحزم”، وأشار إلى أنها “بدأت تحركاتها الميكانيكية تجاه مواقع العمليات” وفي ذات الوقت دانت إيران ما وصفته بـ”الاعتداءات على اليمن.
الخرطوم تلقت وعودا من الرياض بالسعي لرفع العقوبات وأمر صناديق التمويل بالمملكة والمستثمرين، بتقديم الدعم الكامل للخرطوم خلال المرحلة المقبلة.
وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الذي هو في الوقت نفسه رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين ورئيس اللجنة الاقتصادية والتمويل بالمملكة العربية السعودية، أعلن أن بلاده تتجه إلى إنفاذ مشروعات سياسية واقتصادية ضخمة لتنمية ونهضة السودان باعتباره بلدا مسلما وشريكا أصيلا للمملكة، مؤكداً عزمها إنشاء صندوق لتحفيز الشركات السعودية للاستثمار بالسودان خاصة في مجالات الغذاء حتى يكون سلة غذاء العالم العربي، وتعتبر السعودية الدولة التي تستأثر بالحجم الأكبر من الاستثمارات بالسودان، وتشكل ثاني أكبر شريك تجاري للسودان بعد الصين.
نعم بصورة دراماتيكية تحول السودان من المحور الإيراني إلى المحور السعودي، فمنذ سبتمبر الماضي اتخذ السودان قرارا بإغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في العاصمة (الخرطوم) وبقية الولايات، وطردت السلطات السودانية الملحق الثقافي وطاقم المركز بمغادرة البلاد ولم تمهله أكثر من 72 ساعة. وقال البشير لصحيفة “الشرق الأوسط”، إن “قرار إغلاق المراكز الثقافية هو خطوة إستراتيجية وليس تمويهًا على الخليجيين”. وسبق ذلك قول وزير الخارجية السوداني، أن بلاده رفضت عروضا إيرانية لبناء منصات للدفاع الجوي وأوضحت وزارة الخارجية السودانية لاحقا أن الخرطوم استبعدت خيار إقامة المنصات الصاروخية “حتى لا يساء فهم دوافعه من بعض دول الخليج”.
لم تكن العلاقات السودانية السعودية على ما يرام منذ أن تسلم البشير السلطة في 1989م، مع ذلك حافظت الرياض على درجة معقولة من استقرار العلاقات مع الخرطوم إذ لا تعتبر العلاقات بين البلدين سيئة، عدا الفتور الذي ساد فترتين، هما حرب الخليج الثانية 1991 حين اتخذ السودان موقفاً مغايراً تجاه الاحتلال العراقي للكويت، أما الفترة الثانية شملت إقامة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، في السودان بعد تمرده على قرار الإقامة الجبرية الذي فرضته عليه السلطات السعودية خلال العام 1992، حيث انتقل إلى السودان الذي رحب به كمستثمر سعودي قبل سحب الجنسية السعودية واتهام الحكومة السعودية له بأنه وراء تفجير مجمع الحرس الوطني السكني بالرياض سنة 1995.
لقد ظل السودان محل اهتمام سعودي ولم تقطع الرياض شعرة معاوية مع الخرطوم وإن لم يخل الأمر من مخاشنة في أحيان كثيرة مثل حادثة منع البشير من المشاركة في تنصيب نظيره الإيراني لعدم سماح الرياض لطائرته بعبور الأجواء السعودية ووقف التحويلات المصرفية بين البلدين من جانب الرياض. لكن الأمل السعودي بعودة السودان يوما ما حليفاً للرياض.. في أكتوبر الماضي كتب د. زهير الحارثي في صحيفة الرياض القريبة من دوائر الحكم في السعودية تحت عنوان (رغم نفوذ إيران.. هل يعود السودان إلى الحضن العربي؟) يقول: “فهل تنضم الخرطوم للتحالف السعودي المصري لحماية الأمن القومي العربي وعدم السماح للآخرين من خطف القضايا العربية والمتاجرة بها؟ الزمن كفيل بالإجابة”.
من الواضح أن السعودية تنظر إلى علاقتها بالسودان من منظور استراتيجي، فللمملكة شواطئ ساحلية تمتد نحو (1670) كم على البحر الأحمر من ناحية الغرب بينما للسودان شواطئ ساحلية من الناحية الشرقية وإن كانت أقل طولا، وكان اهتمام الرياض مركزاً دائماً على تحقيق الأمن في البحر الأحمر بالاعتماد على نظم عربية صديقة على أن تقدم السعودية المعونات المالية لهذه الدول في سياق التنسيق المشترك في منطقة البحر الأحمر. وتزايدت أهمية مصالح السعودية في البحر الأحمر بعد مشروع خط أنابيب ينبع الذي يمتد من حقول أبقيق إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر ويبلغ طوله 1200 كم والذي قصد منه تقليل الاعتماد تصدير بترولها عبر الخليج العربي والاعتماد بشكل أكبر على البحر الأحمر.
لعل هناك الكثير من نقاط البحث في تطورات العلاقات السودانية – السعودية، خاصة علاقة الخرطوم بواشنطن التي شهدت تطورا إيجابيا وإن كان محدودا.. في حين تقف واشنطن بقوة خلف محور القاهرة والرياض وتقديم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، مساعدة لوجستية ومخابراتية للعملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، كذلك علاقة ذلك كله بالتطور الكبير في علاقات الخرطوم والقاهرة وقيام السودان بدور محوري في الاتفاق الثلاثي (مصر والسودان وإثيوبيا) حول سد النهضة الذي وقع في الخرطوم بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي قبيل زيارة البشير إلى الرياض.