محمد محمد خير

اتفاقية وردا جور


وردا جور بلهجة الزغاوة الوقى تعني (صاحب الحجبات الكبيرة)، وصاحب هذا اللقب هو القائد محمدين عثمان بشر، الذي وقع مع الحكومة اتفاق سلام كانت حاضنته العاصمة التشادية، وكان من أناب الحكومة الدكتور أمين حسن عمر رئيس مكتب متابعة سلام دارفور.
هذا الاتفاق الذي لم تسبقه ضجة، ولم تتخلله عواصف له أهمية استراتيجية قصوى، فهو من شأنه أن يجعلنا نطمئن تماما بأن شمال دارفور ستكون منطقة خالية من التمرد، بعد أن كانت منشأ هذه الحالة التي سالت لأعوام طويلة فتداعى جسد البلاد بالسهر وبفوضى الحمى.
الاتفاق أيضا يؤشر إلى أن التصدع في حركة التحرير التي يقودها مني أركو قد بلغ طورا خطيرا لأن جناح محمدين يضم قيادات كانت صمام حركة مني وارتكازه، ويعني أيضا أن حركة التحرير تجردت تماما من تاريخها؛ فمحمدين هو من أوائل مؤسسي الحركة مع ابن عمه عبد الله أبكر، وكان منى في ذلك الأوان صبيا لعبد الله أبكر ومغمورا ولم يتسلل للضوء إلا بعد اغتيال أبكر فصعد مني بوقوف محمدين معه ليصعد قائداً للحركة.
الاتفاق يفصح بلغة صريحة بأن القيادات الحقيقية في حركة التحرير التي يقودها مني (قطعت العشم) تماما في الجبهة الثورية و(نفضت يدها) عن ذلك المشروع العدمي القائم على الحلم واللاواقعية من أولئك القادة آدم صالح أبكر الناطق العسكري باسم حركة مني، ومساعده للشؤون الإنسانية آدم بوي وزير الصحة الأسبق بشمال دارفور عقب اتفاق أبوجا، الذي ترك منصبه وتمرد مع مني من جديد وعاد الآن مع محمدين بعد تفطنه لعبثية مشهد الجبهة الثورية، وكذلك القائد الميداني عبد الله التيجاني وآدم جمعة أمين المالية؛ كل هؤلاء القادة الذين يعتبرون القيادة التاريخية لحركة التحرير تخلوا عن الحركة ووقعوا ذلك الاتفاق، وكان قد سبقهم قائدهم أركو ضحية الذي اغتيل قبل عامين.
بقراءة هذا المشهد نصل إلى أن حركة التحرير الآن لا تضم أيا من مؤسسيها غير مني.
ولكن لماذا تصاعد الخلاف بين مني ومحمدين الذي كان سنده ومساعده القوى بحكم قدراته القتالية ومعرفته بتفاصيل كل رمال شمال دارفور؟ وما هو الدور المنتظر من محمدين؟
تربط محمدين علاقة خاصة مع الراحل أركو ضحية وتربطه أيضا صلة قوية بالقائد دبجو، فعقب اغتيال أركو انخراط دبجو في اتفاقية الدوحة تشكك مني في محمدين، فقام باعتقاله في شمال دارفور ورحله لكمبالا، وكان الاعتقال بإشراف القائد العام محمد هري الذي اغتالته القوات المسلحة في الأشهر الماضية غير أن محمدين الذي عرف بالدهاء وتمكن من الهرب من كمبالا بمساعدة عدد من القادة وعاد لشمال دارفور من جديد وضم معه قبل شهرين القائد إبراهيم الفكي الذي سلمه عشر عربات مدفعية ثقيلة واتجها معا نحو توقيع اتفاق أنجمينا.
من المنتظر أن يلعب محمدين دورا محوريا في القوات المشتركة التي تضم السودان وتشاد ومجموعة دبجو، ونسبة لعلاقته الراسخة والخاصة جدا مع الشيخ موسى هلال دون سواه من قادة الحركات أتوقع أن ينسحب موقفه على الشيخ موسى.
إذا ما سارت الأمور في ضوء هذه القراءة المنسودة بالحقائق المجردة، فإنني أتوقع أن تعلن اليوناميد منطقة شمال دارفور منطقة خالية من التمرد، وهذه خطوة مركزية في اتجاه السلام الحقيقي.