احمد دندش

(الياس) منا يا(معتمد كرري).!


التقيت به لأول مرة قبل اكثر من سبع سنوات بمنطقة (ود البخيت) بأم درمان، كان هاشاً باشاً كعادته، يحمل بيده اليمنى قلماً وباليسرى (علبة برنجي فارغة) يدون عليها بعد ملاحظاته، سألت عنه صديقي العزيز علاء الدين بشرى فقال لي بأنه الشاعر الياس حسن الياس، صمتّ لدقائق قبل أن اسأله مرة اخرى عن أعماله الغنائية، فردّ عليَّ علاء بسرعة: (الياس لا يطارد الفنانين ليمنحهم اغنياته…هو يكتبها في المقام الاول ليطرب بها نفسه).
اصدقكم القول انني وبعد حديث الاخ علاء، صرت اكثر الحاحاً على التعرف على تلك الشخصية الأم درمانية العتيقة، فزرته بمنزله برفقة عدد من الاصدقاء، وطلبت منه أن يسمعني إحدى قصائده، فقرأ علي بعض القصائد التي اصابتني بالذهول لروعتها، قبل أن اسأله عن سبب منحها للفنانين الشباب لكي يتغنوا بها، ليرد عليَّ بهدوء: (مافي شاعر بسكّ ليهو فنان عشان يغني ليهو…والكلام الجميل مصيرو يطلع يوم من الايام).
حديث الياس ذاك، اصابني بالحيرة ودفعني لاحترام الرجل اكثر، بينما كانت الحكايات التى تتناقلها منطقة (ود البخيت) عن عبقرية ذلك الشخص كفيلة ايضاً بأن تزيد رقعة الاحترام والتقدير في داخلي لذلك الرجل الشفيف و(العصامي) و(عفيف) اليد واللسان معاً.
عدد من الفنانين الشباب زاروا الياس في منزله قبيل سنوات واخذوا منه عدداً من الاغنيات، والغريب أن الاختلاف على المقابل المادي لم يكن موجوداً، وهذا امر آخر دفعني لأن اسأل الياس عن سر ذلك (الزهد) الذي يعيشه في حياته، والذي يجعله لا يطارد فناناً ليمنحه اغنية، ولا يطارده ايضاً من اجل أن يمنحه حق اغنية، ليرد عليَّ ايضاً بابتسامة واسعة مصحوبة بعبارته الشهيرة: (خليها على الله).
شخصية الياس في حد ذاتها (مثيرة للجدل)، فهو مبدع حتى النخاع ومتواضع لحدود الدهشة، بينما كانت (بساطته) هي العنوان الابرز لشخصيته والبوابة الرئيسية التي تدخلها بطمأنينة وبأمان.
اول امس ورد إلى اتصال هاتفي حزين من صديقي علاء بشرى يخبرني فيه بأن الياس قد بترت احدى قدميه بعد معاناة مع مرض السكري، ذلك الخبر الذي اصابني بالصدمة الشديدة، وجعلني اعيد شريط ذكرياتي مع ذلك الشاعر المبدع والاديب الأم درماني الذي لم يكتشفه الكثيرون بعد، والذي اتمنى كذلك أن نكتشفه الآن قبيل فوات الأوان.
جدعة:
عزيزي معتمد محلية كرري… عهدناك رجل مبادرات ووفاء لكل رموز أم درمان…ومن هنا ادعوك لتسجيل زيارة استثنائية لذلك الرجل بمنزله بـ(ود البخيت)، واظن أن هذا اقل ما يستحق…فهل تفعلها وتزرع القليل من الفرح في دواخل ذلك الانسان الأم درماني (الاستثنائي)..؟
شربكة أخيرة:
استاذي العزيز الياس…لن اجد ما اواسيك به سوى كلمات عوض جبريل الاشهر في تاريخ الاغنية السودانية: (طبيعة الدنيا زي الموج…تشيل وتودي…ما تهتم للايام…ظروف وبتعدي).