عثمان ميرغني

السعودية.. بين عاصفتي الصحراء والحزم.


بعد منتصف ليلة 17 يناير 1990، ضجت المطارات السعودية بأصوات الطائرات الحربية من مختلف الأنواع وهي تقلع فجأة لتباغت الدفاعات العراقية وتدشن (عاصفة الصحراء).. تلك الحرب الضروس التي انتهت باستعادة دولة الكويت عنوة من يدي صدام حسين..
أمس الأول أعادت السعودية سيناريو ذلك اليوم.. مع اختلاف هائل هو أن الفاعل الأصيل هنا هو الجيش السعودي وليس الأمريكي.. قائداً لتحالف عربي إسلامي لاستعادة اليمن -هذه المرة- من أيدي الحوثيين الذين يلعبون دورهم بالوكالة عن إيران.
فبعد منتصف ليل الأربعاء أمس الأول.. انقضت أكثر من مائة طائرة عسكرية سعودية مدعومة بطائرات خليجية على مواقع عسكرية مختارة بعناية داخل الأراضي اليمنية.. وفي غضون سويعات قليلة كان واضحاً أن المطرقة أصابت رأس المسمار بدقة.. فانحنى الاندفاع الحوثي نحو عدن وبدا الطريق إلى صنعاء ممهداً للحكومة الشرعية التي استغاثت بالجيش السعودي..
بكل تأكيد هذه ملامح خارطة جديدة للشرق الأوسط والعالم العربي.. المملكة العربية السعودية تجيَّر ترسانتها العسكرية لصالح الاستقرار الأمني في العالم العربي (وليس شبه الجزيرة العربية وحدها).. فالسرعة والفاعلية التي تصدت بها السعودية للخطر الكبير على أمن واستقرار كل الإقليم كان أكبر كثيراً مما توقع الكثيرون.. وهو عمل لا يكتمل بهذه الدرجة من الدقة إلا إذا كان مسنوداً باستراتيجية مسبقة للعب هذا الدور الريادي..
حتماً ستتحقق أهداف التحالف العربي الجديد وتعود الشرعية إلى اليمن.. لكن يبقى السؤال : هل تنتهي المهمة عند هذا الهدف؟؟
في تقديري أن هذه الحرب يجب أن تعيد ترتيب كثير من الأوراق.. على رأسها الدور (الخامل) الذي ظلت تلعبه (جامعة الدول العربية) .. وهو الذي تسبب في كل نكسات العرب وانحطاط شأنهم الاقليمي والدولي..
لابد من تأسيس (تحالف عسكري عربي ) عند الطلب.. مهمته الأولى منع الانزلاق نحو الفوضى في الدول الأعضاء.. فالثابت أن الفوضى مرض معدٍ ، سرعان ما ينتقل عبر الحدود إلى دول آمنة..
وأكثر ما يكسبه العرب من هذا التحالف العربي العسكري هو تجنيب المنطقة التدخلات الدولية الكبيرة التي بالضرورة تستجلب معها أجندة المتدخلين الدوليين.
صحيح أن مثل هذا التحالف يتطلب (إرادة سياسية) عربية غائبة في الوقت الحالي.. لكن الأصح أن بناء هذه الإرادة لا يفترض أن يكون دفعة واحدة بالجملة.. هو تحالف اختياري بالطريقة نفسها التي وافقت بها الدول المشاركة الآن في حرب اليمن أن تكون عضواً في التحالف.. والزمن بعد لك كفيل باستيعاب كل الدول العربية تحت مظلة التحالف العسكري العربي.
من خطل الرأي الحديثُ عن منظومة اقتصادية أو سياسية عربية دون توفر (الشوكة) التي تحمي هذه المنظومة. والبرهان على ذلك الوحدة الأوروبية التي ترعرعت على تربة التحالف العسكري الأوروبي في الحربين الأولى والثانية.
بكل يقين العالم العربي بعد حرب اليمن (الثالثة) هذه.. لن يعود كالعالم العربي قبلها.