الصادق الرزيقي

النفط والابتعاد عـــن الســـياســـة..


> لم تُتِح الأحداث الجسام في المنطقة العربية، ولا حدث توقيع الاتفاق الإطاري حول سد النهضة، تسليط الضوء وتناول تطور مهم بالنسبة للسودان وجنوب السودان، يتعلق بانتظام التعاون بين وزارتي النفط في البلدين وتذليل العمل المشترك خاصة في ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق النفطي الموقع في سبتمبر 2013م في أديس أبابا الذي تم إنجازه بنسبة مائة بالمائة، وخلال زيارة نائب رئيس دولة الجنوب وسبعة من وزراء حكومة جوبا للمشاركة في احتفال توقيع اتفاق سد النهضة، تم استكمال مباحثات نفطية بين البلدين، شملت عمليات العبور لنفط الجنوب البالغ حتى اللحظة «170» ألف برميل يومياً من حقول عدارييل وأعالي النيل، والمساعدات والدعم الفني الذي يقدمه السودان لدولة الجنوب في مجال التدريب ومعدات المعامل والمعالجات النفطية وقطع الغيار والجهود المشتركة لزيادة الإنتاج والمساعدات اللوجستية التي تتم من السودان.
> ولا تخفى في هذا الجانب، أن العلاقة في هذا المجال أمنت عبور بترول الجنوب مقابل استلام السودان لكامل عائداته من الرسوم ورسوم العبور مع انتفاع الجنوب من المنشآت النفطية السودانية. فخط الأنابيب الناقل لبترول عدارييل ووحقول أعالي النيل، تتعاون في تشغيله شركتي نفط من السودان وجنوب السودان، تعاوناً مثمراً للغاية. وحافظ السودان على نصيبه ونصيب الشركات المستثمرة، وعلى تسديد الديون الملقاة على عاتقه منذ الانفصال..
> وتضمنت المباحثات والزيارات المتبادلة التي ابتدرها وزير النفط المهندس مكاوي محمد عوض لجوبا بداية شهر مارس ثم زيارة نائب الرئيس في دولة الجنوب جيمس واني وعدد من الوزراء الجنوبيين وبينهم وزير النفط وطاقم كبير من وزارته، تضمنت واشتملت هذه المباحثات والزيارات المتبادلة، كل أشكال التعاون في مجال الكهرباء، خاصة بعد توقيع اتفاقية تشغيل محطة أم دباكر بكوستي بعد تزويدها بنفط عدارييل مقابل مد مناطق عارييل وأعالي النيل بالكهرباء المنتجة من هذه المحطة، الى جانب الجوانب الأخرى التعلقة بكيفية ترتيب العلاقة بين الوزارتين ووزارتي الكهرباء في استقرار التعاون بينهما لتحقيق منافع مشتركة..
> هذه التطورات المهمة، لابد من النظر إليها بعمق أكثر، ومعرفة لماذا تيسرت وتم انطلاق قاطرتها بينما تتعثر الاتفاقيات الأخرى ولم تصل نسبة تنفيذها الى ما وصل إليه الاتفاق النفطي. فالسبب المتعلق بالحاجة وضرورات تأمين الجوانب الاقتصادية معلوم، لكن السبب الذي يعتقد أنه كان نقطة التحول الفعالة في تنفيذ الاتفاق النفطي بنسبة مائة بالمائة، تعود في الأساس لقدرة وزارتي النفط في البلدين من تحويله بعيداً عن التعاطيات السياسية وإبعادة بالكامل من السياسة والهموم الأمنية والاحترازات التي تتم في هذا الصدد.
> لو أديرت الملفات الاقتصادية التي فيها مصالح ومنفعة بعقلية بعيدة عن السياسة وتقلباتها واعتباراتها، لتحققت نجاحات كثيرة. فما يجري اليوم في هذه المسألة المتعلقة بالعلاقة النفطية، تحوُّل كبير يجب دعمه ومساندته حتى يؤتي أُكله، فقد تعلم البلدان خلال الفترة القاسية من الخلافات والنزاعات والصراع والشكوك والاتهامات التي أعقبت انفصال الجنوب، دروس وعبر كثيرة لا يوجد من يريد الرجوع إليها والتقهقر إلى الخلف مرة أخرى، وربما تكون هناك سوانح أكثر وأكبر في تحقيق التقدم المنشود لما فيه نفع للشعبين..
> ينبغي معالجة كثير من الملفات العالقة بلغة المصالح لسد الذرائع وقفل الأبواب المفضية إلى التجاذبات والخلافات، فما الذي استفدناه منها وجنيناه منها سوى التأخير والتراجع وتعطيل التعاون المشترك وتضييع فرص ثمينة وغالية، كانت كفيلة بصناعة الاستقرار السياسي والاقتصادي، وقد انتبه المسؤولون في المجال النفطي إلى هذه الحقيقة واستطاعوا القفز فوق الخلافات والتنازعات وتحقيق قدر كبير من النجاح في ملفات كانت ستظل عالقة ومغلقة، فليكن هذا النهج هو المتبع لدى حكومتنا في تقدير وجلب المصالح ودرء مفاسد الخلافات والصراعات والتناطح بالقرون الحادة..