احلام مستغانمي

كم هو مذهل عالم الأيدي


نحن نعرف عازف البيانو من رشاقة أصابعه. ونعرف النجّار الذي غالبًا ما يكون قد فقد إصبعًا من أصابعه. ونعرف الدّهّان ونعرف الجزّار. ونعرف المعلّم من الطباشير العالقة به، والفلاّح الذي انغرس التراب في أظافره، وعامل المطبعة الذي أصبح الحبر جزءًا من بصمات أصابعه.
مذهل هو عالم الأيدي، في عريه الفاضح لنا. ولا عجب أن يكون الرسَّامون والنحّاتون، قد قضوا كثيرًا من وقتهم في التجسُّس على أيدٍ، كانوا يدخلون منها إلى لوحاتهم ومنحوتاتهم، حتّى إنّ النحّات رودان الذي أخذت الأيدي كثيرًا من وقته وتركت كثيرًا من طينها على يديه، كان يلخّص هوسه بها قائلاً «ثمة أيدٍ تصلّي وأيدٍ تلعن، وأيدٍ تنشر العطر وأيدٍ تبرّد الغليل.. وأيدٍ للحبّ». فكيف له إذًا أن ينحتَ واحدة دون أخرى؟
ذلك أنّ اليدين، تقولان الكثير عن أشيائنا الحميمة. تحملان ذاكرتنا، أسماء من احتضنّا يومًا. من عبرنا أجسادهم لمسًا أو بشيء من الخدوش.
تقولان عمر لذّتنا، عمر شقائنا. تفضحان العمر الحقيقيّ لجسدنا. تفضحان كلّ ما مارسناه من مهن. كلّ ما مارسنا أو لم نمارس من حبّ.
ولذا ثمّة أيدٍ، كأصحابها، ليست أهلاً للحياة، ما دامت لم تفعل شيئًا بحياتها.

من رواية “فوضى الحواسّ”