جعفر عباس

قريبا – سودان تو وثري


والله حالنا حال نحن السودانيين، سلكنا نهج العقيد الليبي المدحور المنحور مزمجر الجزافي، في تقديم التنازل تلو الآخر لمحور «الخير» الذي يتألف من الولايات المتحدة وحليفاتها، ولكن مفيش فايدة، فمع كل تنازل يبحثون عن خُرم ينفذون منه إلى لحمنا الحي، ففي الجنوب بصمنا بالعشرة على اتفاق أدى إلى انفصال ذلك الجزء من البلاد، ففقدنا الشيء الوحيد الذي كنا نتباهى به على العرب، ألا وهو أننا أكبر الدول العربية والإفريقية مساحة، وفقدنا معه 80% من الغطاء النباتي لبلادنا، وجلسنا في العراء، واستضفنا الآلاف مما يسمى بقوات الأمم المتحدة هنا وهناك.
وفي دارفور دعونا القوات الإفريقية لحفظ السلام، رغم أنها «عبدالمعين»، فمعظمها من بلاد الأوضاع فيها كارثية مثل رواندا، وقلنا لقوات الغرب تفضلوا البيت بيتكم إذا أردتم دخوله، وجلست حكومتنا تفاوض حركات تمرد عنيدة، تأتيها من اليمين فتنسل منك ناحية الشمال، وأعلنت الحكومة حل المليشيات الموالية لها المسماة بـ(الجنجويد)، وقالت للمجتمع الدولي: تعالوا لتقصي الحقائق وبلاش عقوبات لأن اللي فينا يكفينا، وفقدت الدول الغربية الذريعة تلو الأخرى لتدويل قضية دارفور، بل فقدت الرغبة في مناقشة مشكلة دارفور، فكان أن خرجت علينا بحكاية «سودان وَن».
في بريطانيا قالوا إنهم اكتشفوا صبغة مسببة للسرطان في أكثر من أربعمائة نوع من الأغذية والصلصة، وتلك الصبغة تضاف إلى الفلفل الأحمر (الشطة)، وتعطي الأطعمة مذاقا طيبا فاتحا للشهية! والسودان ليس منتجا لتلك الصبغة، بل هي غير معروفة فيه، ولا توجد عندنا صناعة تعليب الوجبات والأطعمة الجاهزة! وليس عندنا طعام للتصدير، ما عدا الخراف الحية، ومعظم أطعمتنا المتداولة محليا – إن لم تكن جميعها – غير قابلة للتعليب: أم رقيقة وهي «بتاع» سائل يصنع من مرق اللحم والقليل من البامية المجففة المطحونة، ولضغط المنصرفات استغنينا عن مرق اللحم، وحلت محلها شوربة ماجي.
وهناك التركين وهو ابن عم الفسيخ (لا مؤاخذة)، يعني سمك مجفف ومملح، يتم استخلاص عجينة منه وطبخها، بعد إضافة أطنان من البهارات إليها، للتستر على رائحتها، وأكل التركين، كما هو الحال مع الفسيخ، يؤدي إلى التفسخ والانحلال في الجهاز الهضمي، وهناك القراصة وهي قرص من القمح سمكه نحو بوصة وقطره نحو قدم ونصف القدم، يتم إعداده على لوح حديدي سميك يوضع على نار حامية، وعندنا الكمونية، وهي وكما يوحي اسمها «كمين» غذائي لا يعرف سره إلا السودانيون ولا يبوحون به!
طيب لماذا يسمون مادة لا ينتجها السودان أو يصدرها باسم السودان؟ الحكاية فيها «إنّ»!! صح؟ لماذا أطلقوا اسم بلادنا على الصبغة المسرطنة وأسموها «سودان ون»؟ ون تعني «واحد» يعني هناك نية لاكتشاف سودان تو وسودان سيفن إلى آخر المسلسل وصولا إلى اتهام السودان بأنه سبب رئيسي للإسهال وسرطان القولون والحنجرة! لماذا لم يسموها بوركينا فاسو ون، أو ألمانيا فور أو يابان سيفن؟ المسألة ملعوبة بخبث: فالخواجات سمعوا كثيرا بدارفور، ولعلهم يحسبون انها دار 4 (four/4) وأن هناك بالتالي دار تو، ودار فايف، إلخ، فقرروا تأليف سلسلة من السموم ونسبتها إلى السودان! وعنصر الذكاء هنا هو أن دارفور تشتهر بإنتاج الفلفل الأحمر (الشطة)، وهي حارة بدرجة أنها تلسعك لو أكلها شخص يجلس إلى جوارك! ولما لم يجد الخواجات في شطة دارفور أي إضافات أو مواد تلوين، نسبوا صبغة الشطة المحظورة دوليا إلى السودان بأكمله.
وربما يفسر هذا لماذا يتعرض السودانيون للفلفلة في مطارات الدول الغربية، رغم أن السودان يكاد أن يكون البلد العربي الوحيد الذي لم ينجب انتحاريا حتى الآن، ربما لأن مواطنيه في حالة موت سريري جماعي.
وتساءلت لماذا أسموا تلك المادة «سودان ون».. ون هي العدد «واحد 1»، مما يعني أنهم قد يعلنون قريبا عن اكتشاف سودان فايف الذي يسبب الشلل وسودان سيفن الذي يسبب الخرف، ويتخذون من ذلك ذريعة لتحرير السودان بنفس الطريقة التي حرروا بها العراق، فيتدعدش بعض السودانيين، وتهيص الأمور وتتلخبط وتتخربط، أكثر مما هي عليه الآن، بالقصف بالقنابل الأكثر ذكاء من الآيفون وجلاكسي بدأ مخطط استهداف السودان قبل نحو بضع سنوات عندما قال الأمريكان إن بعض مواطني مدينة نيويورك أصيبوا بحمى غريبة، ثم أجهدوا عقولهم وقرروا تلبيس تلك الحمى للسودان وأسموها «حمى غرب النيل» وقالوا ان بعوضا وافدا من أعالي النيل هو المسبب لها! هل قام السودان بتصدير البعوض سرا إلى الولايات المتحدة؟ سيقول الأمريكان «كل شيء جائز في البلد الذي استضاف كارلوس وأسامة بن لادن والجنجويد»! طيب إذا نجح البعوض في اجتياز المحيط الأطلسي، رغم ان دورة حياته 48 ساعة، فلماذا بقي في نيويورك وحدها؟ لماذا لم يهاجر إلى لاس فيجاس وهوليوود وميامي حيث اللحم الأبيض المتوسط الملهلط مكشوف ومعروض بلا ساتر أو غطاء مما يسهل مهمة البعوض ويفتح شهيته؟ (بالمناسبة فإن أنثى البعوض وهي التي تتولى قرص بني البشر وتنقل الملاريا، تتسم بالذوق الرفيع فهي تحب ذوي البشرة السمراء لأن دمهم حلو، ويفسر هذا لماذا قامت علاقة مشبوهة طويلة الأمد بين تلك الأنثى وأبو الجعافر!! وبصفتي خبيرا في شؤون الملاريا بحكم أن الطفيل الذي يسببها مقيم في كبدي منذ صباي، وينتعش بين الحين والآخر ويجعلني ارتعش، فإذا كنت في بلد يتكاثر فيه البعوض فإن عليك تفادي تحرشه بك بعدم ارتداء ملابس سوداء، فأنثى البعوض المشهود لها بالرشاقة تعشق كل ما هو أسود، ولهذا فإن قيادتها المركزية في إفريقيا.
باختصار المسألة مفبركة تماما مثل أسلحة الدمار الشامل العراقية. وإذا أضفنا حكاية الشطة المسماة سودان ون إلى البعوض المسبب لحمى غرب النيل فإنهما «مشروع أسلحة بيولوجية سودانية»، والبقية معروفة: المارينز.. مالكي أو كرزاي سوداني.. ثم فرع للقاعدة وآخر لجبهة النصرة ثم الدولة الإسلامية، ويمسك هذا بخناق ذاك، فيأتي المنقذ الأمريكي، بعد حدوث الفوضى الخلاقة (أي التي تخلق البلاوي)، وقد يصبح أبو الجعافر زعيما لأكراد السودان، وخاصة أنه ينتمي إلى سلالة غير جنجويدية، أي غير عربية، ولا أدري أي الأسماء اختار: جعفر البرزاني أم جعفر الطالباني أم جعفر أوجلان؟ أعتقد «البرزاني أفضل لسبب بدهي، وهو أن طالباني قد ينتهي بي في غوانتنامو باعتبار انه يشي بالانتماء إلى «طالبان».
حتى وقت قريب كنت أغضب من النكات التي يطلقها أهل الخليج علينا نحن أهل السودان، بزعم أننا نتسم بالكسل، ولكن الاتهام بالكسل يعتبر غزلا مقارنة بحكاية الصبغة المسماة «سودان تو» وحمى غرب النيل، التي ستؤدي إلى إنتاج مالكي سوداني (نوري اسما وظلامي فعلا) وتجعل أبو الجعافر برزانيا! يقال إن كلبا أصيب بانهيار عصبي، أتعرف لماذا؟ ظل ينبح خمس ساعات في سوداني نائم! أتعرفون لماذا يغضب بعض السودانيين من اتهامهم بالكسل؟ لأن الاتهام صدر من عرب.. يعني لو كان مصدره اليابانيين أو الصينيين أو الألمان المشهود لهم بالهمة والنشاط، لكان الأمر مفهوما بل ومقبولا، لكن أن يأتي من أبناء العم مخترعي الشيشة ومدمني شيش بيش فهذه تو مَتْش.. واسعة أوي.

jafabbas19@gmail.com