منوعات

“يا قدلة في مطرة” من الذي غيّب الوردة.. وبساتين أخرى؟


هل ينبغي علينا الخضوع لسلطة )أغاني وأغاني( البرنامج الرمضاني الشهير في اختياراته؟

يفرّق الفيلسوف الفرنسي فولتير بين اكتشاف المجال الجديد والاستيعاب الكامل لهذا المجال، فهل كشف لنا البرنامج عن مجالات جديدة في الغناء؟ دعك من الاستيعاب كامله ومجزوئه؟ هل يسمح العقل أو العقول التي تصنع البرنامج مشاركتها الآراء، أم أنها تمضي “لا تبالي بالرياح”؟

البحث عن إجابة

على أي حال أنا هنا أبحث عن إجابات حتى يتسنى لنا الاقتراب من أصل الحياة في تجريبنا المستمر، ولو كنا فقط نجرب لأجل التجريب، فلن نصل مطلقاً، بل نكون قد صنعنا صومعتنا الخاصة، وقيودنا التي لا نراها أبداً.

دعونا نقرر ابتداءً حقيقة بدهية هنا، وهي أن فضاء قناة النيل الأزرق يصل لكل بقاع السودان وخارجه، ثم أن مادة البرنامج الرئيسة التي هي (الغناء) صممت تحت تأثير ثقافي أحادي، يخرج حسين الصادق ليدخل أخيه أحمد، تخرج نسرين هندي لتدخل رماز ميرغني، وهكذا لا أثر لأدروب وكوكو، وجون، ومحمد صالح، وكأن صناع البرنامج قد حسموا هوية الغناء السوداني في هذا الشريط النيلي الضيّق، هذا رغم أننا نصدع ليل نهار بتنوع هذا البلد، ثم نمارس هذا الإقصاء المتعمد.

بساتين يانعة

أدعو صناع البرنامج (أغاني وأغاني) الإفادة من هذا الفضاء الجديد والمتجدد أعني (فضاء التنوع) بدلاً عن هذا الدوران المستمر مع هذه الساقية النيلية، ولا أطلب كفولتير استيعاب كامل هذا الفضاء، لكنني أدعو بكل الثقة أن يكون ذلك هو الهدف الرئيس لهذا البرنامج.

من بين البساتين السودانية اليانعة والمتنوعة أفتقد – ومثلي كثيرون – الوردة المتفتحة الفنانة (نانسي عجاج)، ومثلما شكلت مشاركة الفنان الراحل المقيم محمود عبد العزيز الإضافة الحقيقية لبرنامج (أغاني وأغاني) في العام 2010م، نعتقد أن مشاركة نانسي تحمل ذات تيمات النجاح المتوقع، فمحمود اعتمد على قاعدته الجماهيربة العريضة، وموهبته الفطرية في تقديم أغنياته أو أغنيات الغير، ولا ينقص نانسي الجماهيرية والموهبة، بل وتتفوق نانسي بثقافتها العالية ووعيها وإدراكها العميق برسالية الفن.

أنظر وتأمل:

أنظرها تغني لقاسم أبوزيد:

ضحكة شمس شرقت*** إتنفست وردة

خضّر قلب ناشف*** الليل شرد شردة

ياللسة في الخاطر*** يابسمة الفاطر

ياشمس ياقمرة

يا رجعة المسروق

يا بفرة ياتمرة

يا جمة المريوق

يا قدلة في مطرة

يا حالي يا غالي لمن يغيب نطرا

يا بكرة يا أمسي تظهر كما الشمس

وتتنفس الوردة..

أو أسمعها تتساءل مع يحيى فضل الله:

مين رفيقك غير شجن وأشواق

ولوعة وشحنة الحزن البصيبك

مين رفيقك؟

انت عارف سر عشيقك

كلما اتخمر عتيقك

مين رفيقك؟

ياخي سيبك من سليبك

ومن سريقك .. ياخي سيبك

وابقى فتش عن طريقك

يمكن الأحزان تسيبك

أو تأملها تتمنى أي وطن مع طارق الأمين:

تقدل طفلة حلوة و بين إيديها كتابا

والحبوبة تمسح بالحنين أثوابا

والقمرية تصدح تستريح دبابة

والقطر القبيل يمشي و يشق الغابة

البالمبو يفتح للقلوب أبوابا

والنُقارة زي أم كيكي والربابة

لم هذا الغياب؟

كيف يغيب عنا مثل هذا الغناء الجميل في رمضان لنجلس مجبرين مع الأسرة والأصدقاء نستمع لأنصاف الفنانين والفنانات؟ غير أن العزاء أن النوافذ مشرعة لسماعها وسماع البساتين المتنوعة للغناء السوداني، وتبقى الحقيقة الساطعة والقوية أن (فاقد الشيء لا يعطيه)، فمن يفتقد مؤهلات الإبداع لن يفرض نفسه أو يفرضه الآخرون مبدعاً على الواقع مهما وجد من مساحات ومنافذ ومجاملات، لأن الزبد يذهب جفاء… ويبقى فقط ما ينفع الناس

اليوم التالي