الطيب مصطفى

عندما استبدل الجنوب سيداً بسيد!!


فقط لتذكير من لا يزالون يذرفون الدموع على جنوب السُّودان حتى بعد أن قرر مواطنوه بمن فيهم من عاشوا عشرات السنين بين ظهرانينا وولدوا هنا ولم يروا دولتهم إلا بعد خروجها من السُّودان.. لتذكير هؤلاء أود أن يقرأوا رد وزير خارجية دولة جنوب السُّودان برنابا بنجامين على محرر صحيفة “السُّوداني” عندما سأله: (هل أنتم نادمون على الانفصال)؟ رد الوزير بقوله: (أبداً، كيف نندم على حريتنا وهل ندم السُّودان عندما نال الاستقلال من انجلترا، الانفصال هو بمثابة حرية شعب وتقرير مصير).

هذه الإجابة جاءت من الدبلوماسي الأول في دولة جنوب السُّودان.. لم يتردد أو يتلعثم بالرغم من أنه كان ينثر خلال الحوار كلاماً مُفعَماً بالعواطف في محاولته إزالة أي توتر في علاقة الدولتين!

(كيف نندم وهي حريتنا) يقولها بدون أن يطرف له جفن.. إنها الحرية التي تعني أنهم كانوا مستعمرين ولا معنى آخر يمكن أن (ينجره) أي متحذلق باحث عن سبب لإقناعنا بغير ذلك.

هل فهمتم الآن لماذا قال باقان أموم يوم غادر السُّودان بعد الانفصال (وداعاً للعبودية.. وداعاً لوسخ الخرطوم)؟! ودّع باقان وسخ الخرطوم وذهب لموطنه جوبا لكنه سرعان ما رأى الوسخ الحقيقي عندما أُعتقل وأُذل في موطنه الذي لطالما قاتل في سبيل استقلاله وحريته، أما هنا فقد كان يبرطع (على كيفه) ويُهدد ويتوعد بانفجار الحزام الأسود حول الخرطوم والذي انفجر بالفعل فيما عُرف بأحداث الأثنين الأسود!

ثم في إجابة عن سؤال آخر من المحرر حول (بعض الأصوات التي برزت مؤخراً في الجنوب مطالبة بالوحدة) قال وزير خارجية دولة جنوب السُّودان هؤلاء (ليسوا جادين وأؤكد أن خيار الوحدة مرة أخرى خيار مستبعد نهائياً)!

كنت جالساً في استقبال برج الفاتح أو كورنثيا قبل أيام في انتظار تسجيل حلقة لقناة “الشروق” في برنامج يقدمه الأستاذ ضياء الدين بلال عندما دخل نفس الوزير مصحوباً بأكثر من عشرة من مرافقيه وما أن رآني سفير جوبا بالخرطوم حتى اندفع نحوي ومعه الوزير الذي لم يفوّت الفرصة ليتحدث معي بصورة وديَّة حاثاً إياي للعمل على تقريب الدولتين والشعبين من بعضهما البعض وقال لي (إنك تختار أصدقاءك لكنك لا تختار جيرانك)، بما يعني أنه لا فكاك من التعامل مع الجغرافيا التي حتمت أن تتجاور الدولتان وبالتالي عليهما أن يتعايشا ويرعيا حق الجوار.. أيدته بالطبع فيما قال ولكني سألته: (هل تعني بتقريب الدولتين من بعضهما الوحدة) فأجاب بصورة حاسمة: (لا أعني الوحدة إنما أعني أن تكون العلاقة طيبة بين الدولتين) أيدته بل قلت له: إن ذلك يمثل عقيدة بالنسبة لي Belief) ) وكنت أعني أن الإسلام حض على الإحسان إلى الجار.

ما لم أقله للرجل، حيث لم يكن الوقت متاحاً فقد كنا وقوفاً ولم نجلس لنتحاور، إن الجنوب الآن لا يملك أن يقرر بشأن علاقته بالسُّودان فإن كان الوزير برنابا يعتقد أن بلاده كانت مستعمرة من قبل الشمال فإن يوغندا اليوم هي التي تحكم وتستعمر جنوب السودان، فقد رفض رئيسها قبل أيام إخراج قواته من جنوب السُّودان بل إن رئيس الجنوب سلفاكير لا يستغني عنه فهو وجيشه اليوغندي يحميان حكومة الجنوب من أن تسقط.

لقد رأيتم الوزير الجنوبي وهو يتحدث بسعادة غامرة عن استقلال الجنوب وحريته بالرغم من الحرب الأهلية التي فتكت بهم ولا تزال، لذلك كنا نقول من قديم إن الجنوب لم يحتفل معنا بالاستقلال في اليوم الأول من عام 1956 إنما قالوا يومها (لقد استبدلنا سيداً بسيد) أي أنهم استبدلوا السيد الإنجليزي بالسيد الشمالي (المندكورو) بل لقد كانوا ولا يزالون يحبون السيد الإنجليزي الذي لم يخوضوا معه الحرب كما خاضوها مع الشمال قبل خروج الإنجليز في تمرد توريت الذي اندلع قبل الاستقلال.

مرة أخرى يعيد التاريخ نفسه وهاهم يستبدلون السيد الشمالي حسبما يتوهمون بالسيد اليوغندي!

ذكرت هذه الحقائق حتى يستفيق من لا يزالون يتباكون على الوحدة مع شعب لم يكن في يوم من الأيام جزءاً من وطنهم.. لم يشاركهم أفراحهم ولا أتراحهم ولم يقرر في يوم من الأيام أن يتوحد معهم وفي اليوم الذي أتيح له فيه أن يقرر مصيره غادرهم بفرح غامر ولم يذرف عليهم دمعة واحدة، فإلى متى البكاء والنحيب يا هؤلاء؟!

نشر يوم 8 يناير 2015م


تعليق واحد

  1. انت وغيرك من مثقفين وسياسين لم تقدموا ما يمحو ذلك الفهم بل قدمتوما يعمقه فلا تجعلو الناس يسيرو حسب اهوءاكم ومصالحكم