محمد محمد خير

للمربد ولكمال بخيت


روى الأستاذ كمال حسن بخيت في زاويته يوم أمس الأول، أن شاعرا تونسيا شارك في أحد مهرجانات المربد وأطرب البطل العربي الشهيد صدام حسين بشعره، فصفق صدام وعانق الشاعر، غير أن الشاعر فاجأ صدام بشكواه ورقة حاله وسكنه في عشة في سطوح إحدى عمارات قرطاج، لكن الشاعر حين عاد لتونس اتصل به السفير العراقي وقام بشراء فيلا له وسط قرطاج، وأشار للشاعر بأن هذه الفيلا هدية من صدام، ثم انعطف كمال للموصل حيث شاركتُ أنا في تلك الليلة فقام الأستاذ الشاعر حميد سعيد بتحيتي وأوصى رئيس الوفد السوداني بالاهتمام بي لأنه يرى أنني سأكون من كبار شعراء العرب حسب رواية كمال، فأنا لم أحضر لتلك الحلقة ولم أسمع حميد سعيد الذي أحسن الظن بي. وتوصل كمال في زاويته إلى أنني لو قرأت شعري في بغداد لصفق لي صدام وأمر بشراء منزل لي بوسط الخرطوم، ولو حدث ذلك (حرَّم) سأقسم نصفه لكمال!
أعادتني كتابة كمال للمربد والعراق ولصدام ولجمهرة الشعراء والمثقفين العرب الذين كانت تستضيفهم بغداد طوال العام الذي يعجُّ بالمهرجانات العديدة في المسرح والموسيقى والرواية والنقد والتراث والمربد الشعري.
كانت بغداد في عهد صدام حسين منارة ثقافية وموئلا لعزة العروبة وأشواقها ونظرها الشاخص تجاه العلم والمعرفة والاستنارة والمستقبل. أنا لم أعرف القيمة الحقيقية للبعث ولصدام إلا حين أشاهد الانفجارات والنازحين وداعش والصدر وكل الأوباش الجدد.
لم أكره مفردة (الديمقراطية) بقدر ما كرهتها وأنا أسمع عن تشرد عدنان الصائغ، وذهول ماجد السامرائي، ومتاهة عبد المحسن، ذلك الضوء النقدي الباهر الذي ثقفنا بمجلة الأقلام، لم أكره تلك المفردة المفترى عليها من السياسة والاجتماع بقدر ما صرت أبغضها وهي تتردد على أفواه عبيد الغزاة ومن ساهموا في إضاعة الشمس التي كانت تشرق كل يوم من العراق.
أكثر ما يعجبني في كمال بخيت أنه ظل وفياً لفكرة البعث في شقها الثقافي العربي المستنير، وهذا ما يقوده للكتابة شبه اليومية عن العراق وصدام ومجموعة رفاقه من البعثيين العراقيين الذين استضافوه لعشرة أعوام، ومكنوه من العمل بصحيفة (الثورة).
حين زرت كمال بالصحيفة عام 79، وجدت زملاءه بالمكتب شاعر الرمزية الراحل محمد عفيفي مطر والروائي الفذ غالب هلسا، وكان محمود درويش يشكو لكمال أن أصدقاءه أطعموه (الكوارع) في وجبة العشاء، وكان يسميها (الأظلاف) وكان عائدا لتوه من السودان.
في المربد، عرفت شوقي بزيع الذي أعتقد أنه الآن مركز الشعر العربي وأحد أهم أحفاء المتنبي، وعرفت يوسف رزوقة شاعر الحداثة التونسي المجيد، وتقوت صلتي بالدكتور أحمد المديني، وصرتُ قريبا جدا من إبراهيم نصر الله، وكذلك محمد أبو دومة. ظلت صلتي بهم بهية وندية ومتجددة، فمنهم من بلغ الآن القمة التي لا سفح بعدها، ومنهم من رحل للدار التي ستسعنا جميعاً، وهم جميعاً يتحسرون على العراق.
هل تعرف يا صديقي كمال أن مظفر النواب الذي ظل معادياً لصدام لثلاثين عاماً وهرب من السجن وظل منفياً طيلة ربع قرن كامل، هو أول من أدان غزو العراق، وهو الآن يرقد على فراش الموت، ويهزأ من المهزلة التي جرت في العراق على يد الأمريكان؟!
لن يعود العراق وعلى رأسه البعث وصدام، لكن العراق لن يُرى من خلال المربد إلا إذا تحقق بيت الشعر القائل:
وبعث الموت شيء مستطاع
وموت البعث شيء مستحيل