حيدر المكاشفي

الرفت بالريموت


من أسوأ أنواع الفصل التعسفي رغم أنه كله سوء، الذي يأتي بــ(تعليمات فوقية) من خارج المؤسسة التي يعمل بها المفصول، وقد شاع هذا النوع من الفصل التعسفي على أيام هوجة التمكين التي قذفت بآلاف الكفاءات الى الشارع، حيث كان يكفي فقط أن يبعث أحد هؤلاء (المسؤولين الفوق) بقائمة تحوي أسماء من يرغب في فصلهم من العمل، أو يكتفي بمهاتفة المسؤول الأول في المؤسسة ويملي عليه قرارات الفصل، فتتم تلبية رغبته في الحال والتو، ومما أذكره من غرائب وعجائب هذه الممارسة الممعنة في الظلم، أن أحد ولاة الولايات وصلته إشارة من المركز توجهه بفصل جملة من موظفي ولايته، وكان من بين هؤلاء الموظفين المطلوب فصلهم، موظف يعرفه الكل باسم (جمال) بينما اسمه الحقيقي المدون في وثائقه الثبوتية وملف خدمته غير ذلك، وكان أن أصابت إشارة الفصل في الإشارة الى درجته الوظيفية ومسمى الوظيفة التي يشغلها بدقة، ولكنها للغرابة والمفارقة المضحكة أوردت اسمه الذي اشتهر به وليس اسمه الحقيقي والرسمي؛ المدون في سجلات الحكومة، ويحمد لوالي تلك الولاية أنه تحلى بقدر من الشجاعة ورفض فصل الموظف المذكور، ورد على الإشارة بأنه لا يوجد لدينا موظف يشغل الوظيفة التي ذكرتموها بالاسم المذكور، وهكذا نجا هذا الموظف المحظوظ من مقصلة الصالح الخاص الذي أطلق عليه زوراً الصالح العام.

يبدو أن هؤلاء (الناس الفوق) بتعليماتهم الفوقية مازالوا حاضرين وفاعلين بقراراتهم التعسفية الظالمة هذه، وكأنما كل ظلمهم السابق لم يكفهم حتى لتذكر الحكمة القائلة (اذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة لله عليك)، وما حادثة فصل الصحافي بقناة الشروق (عاصم محمد علي)؛ الذي تقول الأنباء أنه تم بقرار فوقي من خارج القناة من أحد هؤلاء (الناس الفوق)، إلا الدليل الدامغ على أن هذه الممارسة المتعسفة مازالت قائمة، فحتى لو أخطأ هذا الصحافي، مع أن الواقعة التي ساقها هذا المسؤول الفوق (والفوق هو لله) سبباً لفصله، من نوع الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الصحافيون لطبيعة المهنة وليس قصداً عامدين، ويمكنني إيراد مئات الأمثلة من هذه الشاكلة، أقول حتى لو أخطأ هذا الصحفي ما كان لإدارة القناة أن تفصله بناءً على قرار فوقي من خارجها، ولكنها – للأسف – لم تملك شجاعة ذاك الوالي الذي ذكرنا حكايته، كما لم تحفظ هيبة المؤسسة مثل أحد وزراء الإعلام الذي أوقف بعبارات قاطعة وحازمة، أحد زملائه الوزراء حين علم بتدخلاته وتوجيهاته التي كان يصدرها من وراء ظهره لأجهزة الإعلام المسؤول عنها، كان على إدارة القناة أن تجري تحقيقاً حول الخطأ وتقف على ملابساته، فربما وجدته من عينة الأخطاء التي لا تنجو منها مهنة الإعلام لطبيعتها مهما كان الحرص والحذر، فالإعلاميون والصحافيون هم الأدرى بطبيعة مهنتهم وأخطائها من (الناس الفوق).