ضياء الدين بلال

(مبروك.. ده الكلام.. يا رشا)!


-1-

رغم اختلافي الكبير مع الكاتبة الصحفية رشا عوض، رئيسة تحرير صحيفة التغيير الإلكترونية، والقيادية الشابة بحزب الأمة (سابقاً)؛ لكنَّني أحترم فيها إيمانها بما تقول.

صحيحٌ أنَّها تعبِّر عن آرائها بحدَّة وتطرُّف؛ ولكنَّها تفعل ذلك دون إسفاف أو بذاءات، على نهج كثير من الكتاب الإسفيريين، من ذوي الثورية المزيَّفة!
لسنوات ظللتُ على خلاف متواصل مع الزميلة رشا عوض، حول مواقفها المتماهية مع الحركات المسلَّحة، وفي مقدمتها الحركة الشعبية، منذ عَمَلِ رشا بصحيفة (أجراس الحرية)، إلى تأسيسِ صحيفتها المهجريَّة، التي تحمل اسم (التغيير).
كنت أدعو رشا للنظر بعينَيْن – ليس من المُهمِّ أن تكونا كحيلتَيْن – للمشهد العام.
-2-
لا مانع من انتقاد الحكومة بكل قوة ووضوح، من منطلق المعارضة لها؛ ولكن في المقابل، يجب عدم التغاضي أو الاختباء من سوءات وسيئات المعارضة!
كنت أقول لرشا وأكرر الآتي:
مشكلة القوى السياسية المعارضة، أنها تحلم أحلام العصافير، وتجلس في انتظار الحركات المسلحة، لتُنجز لها مُهمَّة التغيير، وتدعوها لتناول وجبة الغداء.
هذه وجهة نظري، التي أؤمن بها:
التغيير عبر العمل المسلَّح، سيؤدي إلى ذات مصير الصومال وسوريا وليبيا والعراق واليمن أخيراً. التغيير السلمي سيضمن استقراراً سلمياً، والوضع في السودان بالغ التعقيد. لا بدَّ من الخروج من الدائرة الخبيثة، عبر وسائل تحمل خصائص الهدف الذي نبتغيه، وهو تحقيق الاستقرار والحرية معاً.
ظللتُ أكرِّرُ في مناقشاتي المطوَّلة مع رشا عوض وآخرين وأخريات في الفضاء الإسفيري؛ أنَّني ضد أي محاولة لتغيير النظام بصورة تهدِّدُ كيان الدولة وسلامة المجتمع.
المعطيات الموضوعية، تقول إن بَدِيليْ الإنقاذ عبر العمل العسكري اثنان لا ثالث لهما:
فالحركات المسلحة ذات الأجندة الحربية الاستئصالية على يسارها؛ وعلى يمينها المجموعات الدينية المتطرفة مثل داعش وأخواتها.
-3-
قلت لرشا وآخرين وأخريات:
إذا كان قادة التغيير ينتهجون ذات أسلوب الحزب الحاكم، ويحملون نفس خصائص التفكير، ويرغبون في الوصول للحكم عبر وسائله، ويطرحون أركو مناوي مقابل موسى هلال، فما الفائدة من التغيير؟!
لا بدَّ للقوى السياسية التي ترغب في التغيير، من أن تقدم ما يجعلنا نقتنع بأنها ستكون أفضل من الحاكمين اليوم.

ألم يقم جبريل إبراهيم بتصفية أبناء الميدوب في حركة العدل والمساواة؟
ألم تقم الحركة الشعبية بتصفية إبراهيم محمد بلندية، وسبعة من مرافقيه في جنوب كردفان، وذبحت المدنيين في أبو كرشولا، وقصفتهم بالكاتيوشا في كادوقلي؟
ألم تجند الحركة الشعبية الأطفال، وتهاجم هيبان، وتمنع طلاب الشهادة السودانية من إكمال امتحاناتهم؟ أكلُّ ذلك لا يساوي شيئاً لديكم في ميزان التقييم؟!
-4-

.. صحافة الخرطوم كتبت عن فساد رموز في الدولة، وصودرت، وأغلقت، وحوصرت، ولم تتوقف عن المسير؛ لكن في المقابل، أنتم كصحفيين موالين للحركات المسلّحة، لا يجرؤ أحدٌ منكم على اتهام أيِّ قياديٍّ معارض حامل للسلاح بأيِّ اتهام!
لا يجرؤ أحد منكم على إدانة تجاوزات الحركات، أو الحديث عن فساد بعض رموزها. كل ما تفعلون في مواقعكم الإسفيرية، إما الدفاع عنهم أو التبرير لهم!

نحن في الصحافة السودانية، ننتقد الحكومة ونُشعل الضوءَ في مناطق الفساد، ونُصادَر ونُعَاقَب. هل تستطيعين عزيزتي رشا عبر صحيفة التغيير انتقاد ياسر عرمان أو عقار، أو أن تتحدثي عن مصادر تمويل الحركات المسلحة؟!
قطعاً، لا تستطيعين، كل ما تفعلينه هو التبرير والتجميل!
-أخيراً-

بعد كل تلك المناقشات المطوَّلة والمستمرَّة لسنوات، قبل يومَيْن فقط؛ قرَّرتْ رشا عوض فتح عينها الأخرى، لترى المشهد في كمال وضوحه.
انتقدت رشا الحكومة بعنف، وقالت فيها كل ما ظلَّت تقوله وتردده منذ وجودها في الخرطوم، وحتى اختيارها القاهرة ملجأً اختيارياً.
الجديد هذه المرة، ما ذكرته رشا في سياق ردها على شخصي غير الضعيف!
سأترككم تقرأون ما كتبت في مقالها بصحيفة التغيير الإلكترونية التي ترأس تحريرها:
(…..الإسلاميين المخلصين الذين تم التخلص منهم بوسائل شبيهة بالوسيلة التي تخلص بها السيد مالك عقار من الهندي أحمد خليفة أو أكثر بشاعة، وهي بالمناسبة تجد مني شخصياً الإدانة الكاملة، وهي إدانة لا تتوقف عند شخص السيد مالك عقار، بل تتجاوز ذلك إلى إدانة حالة الهزال التي تعاني منها الحركة الشعبية والحركات المسلّحة الأخرى، في تقاليد المؤسسية والشفافية المالية، ونظم محاسبة القادة، وعلى انتهاكات حقوق الإنسان ومساءلتهم عن المال العام. وهذا الهزال في ثقافة الديمقراطية والحكم الراشد هو الذي جعل الحركة الشعبية في جنوب السودان تنحدر بدولتها الوليدة إلى الواقع المأساوي الماثل. ولذلك إذا أرادت الحركات المسلحة أن تكون جزءاً من تيار التاريخ الصاعد، فإن السبيل الوحيد إلى ذلك هو الشروع الجدِّي في التحوّل إلى حركات سياسية ديمقراطية مهمومة بقضايا التنمية والعدالة وإنصاف المهمشين، ولن تكون كذلك بغير الصرامة في مكافحة الفساد)!!!!
وهذا المطلوب إثباته (فل استوب).