جعفر عباس

جعفر المبروك


تقول مصادر موثوق بها إن كاتب هذه السطور كان مصابا في طفولته بالتهاب حادّ في إحدى أذنيه لأشهر طويلة، وبفضل الرعاية الطبية الممتازة بدأت الأذن في إطلاق الحمم والبراكين حتى أصبحت خطرا على البيئة، وأدى ذلك الى نفور الأطفال منه بسبب الروائح المنفرة التي كانت تنطلق من الأذن المصابة، (والله هذه هي الرواية التي سمعتها مرارا من أمي رحمها الله)، ثم حدثت المعجزة، فقد كنت أداعب قطة صغيرة، وأمسكت بقدمها الأمامية وبدأت في حك أذني المهترئة بمخالبها حتى نزفت دما وأشياء أخرى لا داعي لذكرها، وخاصة أنه من المرجح أن يكون القارئ قد فرغ على التوّ من تناول وجبة، وحرام أن أتسبب في اندفاع ما أكله عبر فمه، ومنذ يومها شفيت أذني تماما.. أي والله هذا ما يؤكده الأهل والجيران.. اختفى الالتهاب واختفت معه «البتاعات» التي كانت تخرج من الأذن، ومنذ يومها اعتبرني الأهل والجيران مبروكا ومن أصحاب الكرامات، ولازمني اسم «جعفر الطيار» حتى بلوغي المرحلة المتوسطة من مسيرتي الأكاديمية، ويقال إن المحرومات من الإنجاب كنّ يقدمن إلي الحلوى ويتمسحن بي طلبا للمعجزات، وإن كل من فعلت ذلك تطلقت من زوجها، وفقدت بذلك الأمل في الإنجاب نهائيًا، ومع هذا بررن عدم الإنجاب بأنهن لم يقدمن إلي هدايا عليها القيمة.
ما عزز مكانتي الإعجازية والكرامية والبركاتية أن جدي لأمي كان معلما للقرآن ويداوي الناس به، وإلى يومنا هذا هناك من يقسمون بـ«تُرْبته» أي قبره، وهناك من يقدمون إليه النذور، كما أن أسلاف جدي ذلك مدفونون في قباب وأضرحة يزورها العوام ويتمسحون بترابها طلبا للبركة والعافية، وبالتالي لم يكن مستغربا أن تفترض تلك الجماهير الوفية أنني «مبروك» بالوراثة، طالما أنا فرع من شجرة «مباركة» ولكنها صدمت عندما التحقت بالمدارس النظامية لدراسة الجغرافيا والتاريخ والكيمياء، وما ان قررت دخول الجامعة حتى أشاعوا أنني أصبحت «شيوعيا» وجرّدوني من كل الكرامات والبركات، وصرت جعفر عباس بعد أن كنت جعفر الطيار، وانتهى بي الأمر أن صرت «حتة موظف» أتلطش من بلد إلى آخر طلبا للرزق.
وقد قررت الآن مراجعة موقفي وإحراق شهاداتي الأكاديمية واسترداد بركاتي الوراثية وسجادة جدّي بعد أن اكتشفت أن السوق بحاجة إلى أمثالي من الذين يجمعون بين عنصري الوراثة والدراسة، للعمل في مجال التنجيم وإعداد «العمل» لكل حالة باستخدام جيناتي الوراثية والانترنت، مما سيضفي عليّ هيبة إضافية ويؤهلني لأكون دجالا عصريا يرتدي الجاكيت والكرافتة، ويتحدث عن الجن و«السوفت وير» والضب الأعور و«الماوس»، وما شجعني على ذلك هو أن الكثيرين من أهل الغرب باتوا يتبعون لملل ونحل وطوائف شرقية تبشر بنهاية الكون العام المقبل وقد قررت استثمار هذا المناخ.
وقد أوردت قبل أشهر قليلة تقريرا صادرا عن مركز محترم للدراسات الاجتماعية أن العرب ينفقون نحو 18 مليار دولار سنويا على الدجالين، وكتبت من قبل عن أن صحيفة عملت بها كلفتني الى حين من الدهر بكتابة عمود الأبراج (فسببت للقراء هلعا جعلهم ينصرفون الى صحف أخرى تبشر أبراجها بالسعد والرغد).. يعني عندي «خلفية»، ولو اختفيت عن الانظار سنة واحدة ونزلت السوق خبيرا في تكتيف الأزواج ذوي العيون الزائغة، وفكّ العنوسة، واختصاصيا في الزيادة السكانية بزعم ان لي قدرات على جعل المرأة تنجب وهي فوق الستين، فسيكون نصيبي «بالميت» عشرة ملايين من تلك المليارات، وعلى بال ما يكتشف الناس أنني آدمي من فئة الـ«وسواس خناس»، أكون قد هاجرت إلى كندا كمستثمر.

jafabbas19@gmail.com