مقالات متنوعة

خالد حسن كسلا : وضاعت الامتيازات بعدم تأجيل الانتخابات


بقي الكلام الأخير حول الانتخابات القادمة بعد ساعات «غداً الإثنين» هو أن المؤتمر الوطني الحزب الحاكم السنوات الخمس الأخيرة انتخابياً قد قدم كل الحجج القومية لخوضه الانتخابات في موعدها.. دون أن ينسحب هذه المرة.
وهنا لم نقل إن المؤتمر الوطني صاحب البرنامج «الاستكمالي» رفض تأجيل الانتخابات، لأن رفضه لذلك أو اتخاذ القرار بإجرائها في موعدها هذا ليس صلاحيات حزب سياسي ينافس في الساحة مع بقية الأحزاب.. وكونه حزبا حاكما لخمس سنوات انتخابياً وقبلها عشرين عاماً اضطرارياً هذا لا يميزه عن بقية الاحزاب في أمر إجراء الانتخابات. فهذا هو شأن المفوضية القومية للانتخابات والمطلوب من الجهاز التنفيذي أن يوفر لها بإرادة سياسية الاستقلالية مثلما يفعل مع الجهاز القضائي. أوليس استقلالية القضاء والمراجعة العامة تأتيان من الإرادة السياسية للجهاز التنفيذي؟ كذلك ينبغي أن ينطبق الحال على «المفوضية القومية للانتخابات» فإذا رأت أن في تأجيل الانتخابات ظلماً على المواطنين المرشحين والمترشحين والناخبين وهضماً لحقهم الدستوري، فهنا عليها أن تقرر وتعلن على ضوء ما تراه عدم تأجيلها. وإذا رأت أن التأجيل لعام أو أكثر لا يمس حقوق هؤلاء الدستورية ـ وهو مطلب أغلبية ـ ففي هذه الحالة تقرر التأجيل وتقبل الحكومة بذلك. ولا ينبغي أن تتحدث المعارضة أو الحكومة أو التمرد بلسان المفوضية القومية للانتخابات نيابة عنها.
وإذا تساءلنا هل المفوضية ترى أسباباً موضوعية للتأجيل؟! الإجابة: لم ترَ. فما قدمته المعارضة المقاطِعة من مبررات لم يقبله ميزان المفوضية. والغريب أن المعارضة المقاطِعة إذا استمرت في مقاطعتها للانتخابات، فتكون في هذه الحالة قد أراحت الحكومة من «قصة التزوير وعدم النزاهة». فبعد المقاطعة لا يحق لها أن تثير مثل هذه التهمة. وإذا شاركت في الانتخابات فإن قواعد الحركة الإسلامية زائداً شعبية البشير تحرمها من الفوز الرئاسي لصالح المؤتمر الوطني.. هذا في الغالب طبعاً حتى لا نتحدث باعتبار ان نتيجة الانتخابات محسومة.
إذن أيهما أفضل للمعارضة؟! ان تخوض الانتخابات وتشغِّل «نغمة التزوير» أم ان تقاطع بعد تسجيل ثلاثة عشر مليون ناخب في السجل الانتخابي وتعتمد على بعض المواقف الدولية لبعض المؤسسات الدولية والاقليمية وهي جدران مائلة؟!
لكن لا يحق للمعارضة المقاطِعة ان تقول إن مشاركتها في الانتخابات ستهزمها عملية التزوير لأنها قالت تريد تأجيلها.. والسؤال هنا هو: إذا وافقت المفوضية على التأجيل فهل بعد ذلك ستشارك قوى المعارضة في خوض الانتخابات دون أن تتحدث عن التزوير إذا لم تكسبها؟! وهنا قد يتساءل مواطن ما قائلاً: ما الفرق بين إجراء الانتخابات الآن في موعدها وبين إجرائها بعد عام أو عامين؟! وماذا ستضيف نتائج الحوار الوطني لها؟!
الإجابة واضحة جداً وهي أن القوى المعارضة تريد تحقيق هدفين الأول لها وهو ان تظفر بمناصب وامتيازات ترى انها لن تنالها اذا خاضت العملية الانتخابية لأن موقفها الانتخابي واضح انه ضعيف جداً أمام جماهير الرئيس والحركة الإسلامية واخوانهم في الجماعات الدعوية وبعض الطرق الصوفية وقطاعات الشعب الاخرى.
لذلك ترى ان تأجيل الانتخابات يمكن ان تسبقه فترة لجني الامتيازات في ظل مشروع الحوار الوطني. اذن يمكن ان يرى البعض ان اهتمام القوى المعارضة بمبادرة الرئيس للحوار الوطني يأتي من باب الانتهازية والتفكير في المصالح الضيقة الشخصية والحزبية. اما المصلحة الوطنية فلا يمكن ان يكون ممارسة الحق الدستوري المتمثل في اجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي عائقاً لها.
وفي السابق كانت المعارضة تضغط على الحكومة بثلاثة كروت ضغط هي انها انقلابية عسكرية اسلامية تطبق شرع الله. وان المعارضة يمكن ان تقف الى جانب التمرد وتتعاون معه سياسياً وميدانياً وهذا حدث طبعاً عام 1994م ونتذكر جيش الامة وحركة «فتح» وحركة «مجد» وهي قوات الصادق والميرغني والشيوعيين. والكرت الثالث هو تحريك الشارع.
كل هذه الكروت اصبحت محروقة.. بقي فقط «الكرت الحكومي» المُهدى إليها.. وهو الحوار الوطني.
لكن هل تتعامل معه المعارضة بالمثل القائل: «من دِقْنو وافتِلُّو»؟!.. المؤتمر الوطني نجح في تقديم الحجة لكن المعارضة تنتظر حتى الآن فترة ما بين الحوار والانتخابات المؤجلة لجني الامتيازات.
غداً نلتقي بإذن الله