سياسية

(الاتحادي) على خط الحركات المسلحة.. مبادرات أم مخاطبة للعواطف؟


لم تتفق القوى السياسية السودانية على أمر، كاتفاقها وحرصها على استصحاب الحركات المسلحة في كل مراحل التغيير والانتقال السياسي، خاصة المرحلة الحالية ،التي يسيطر عليها خيار الحوار الوطني، الذي انقسم حوله الناس بين مشاركين فيه ،وبين متمنعين أو مشترطين، ويظهر هذا التوافق في سعي غالب القوى السياسية لصناعة مبادرات للالتقاء بالحركات، توسلاً لإقناعها بالجلوس إلى الحوار، وتجشم محاولة القدوم إلى الخرطوم لصناعة توافق سوداني داخلي ، بعيداً عن ما تراه تلك الأحزاب وتسميه بالتأثيرات الخارجية. وغالب هذه المحاولات كانت تصدر عن أحزاب معارضة مثل المؤتمر الشعبي، لكن مؤخراً دخل على خط الحركات المسلحة أحد أكبر الأحزاب المشاركة في الحكومة وهو الحزب الاتحادي الديمقراطي ، الذي يقوده مساعد رئيس الجمهورية د.”جلال يوسف الدقير”، الذي أعلن (الخميس) الماضي،  ومن عمق ولاية الجزيرة أمام حشد من مناصري حزبه ،وهو يختتم حملته الانتخابية، أعلن تشكيل لجنة من الاتحادي للذهاب لمقابلة الحركات المسلحة خارج السودان لإقناعها بقبول خيار الحوار الداخلي. فهل يمكن لهذه المبادرة أن تؤتي أكلها أم تذهب أصداؤها مع رياح الحراك الانتخابي، الذي يصل غداً إلى محطته الأخيرة،  ليجب كل ما قبله من مبادرات والتزامات؟
ضمان بـ(رقاب الاتحاديات)
ولأن المرأة دائماً في موضع الحفظ والصون عند السودانيين، فتقديمها للنائبات والمشقة والصعاب، دعك عن طرح حياتها (فداء) ، لا يكون إلا لأمر جلل وحادثاتٍ جسام، وليؤكد “الدقير” حرص حزبه على مشاركة الحركات المسلحة في الحوار داخل السودان ، ما كان منه إلا أن وضع رقاب (حرائر) الحزب ضماناً لسلامة وفود الحركات حتى تدخل الخرطوم وتخرج عائدة إلى حيث جاءت ، دون أن يمسها مكروه. وقال مخاطباً قادة الحركات (لو كنتم لا تثقون في الضمانات الحكومية فنحن نقدم لكم رقاب الاتحاديات قبل الاتحاديين ضماناً لسلامتكم). ولعل مساعد الرئيس باطلاعه على بواطن الأمور يعلم أن من أكبر معوقات مشاركة الحركات المسلحة في أي حوار داخلي هي تخوفهم من القدوم إلى الخرطوم، وحاجتهم إلى ضمانات حقيقية ،  يثقون فيها ، من أطراف خلاف الحكومة وحزبها الحاكم، لذلك كان تركيزه على  المدخل الذي يمكن أن يكون الأنسب لمخاطبة مخاوف الحركات وهو مدخل الضمانات، لذلك، بعد تأكيده على أهمية الحوار باعتباره المخرج الأوحد من أزمات البلاد،  نبه “الدقير” إلى أن المسؤولية الأكبر في إنجاح  الحوار تقع على عاتق الاتحادي باعتباره مفترعاً عملية الحوار ،منذ مبادرة “الشريف زين العابدين الهندي” ومبتدر الطريق الثالث بين طريقين،  وصفهما بـ “الطريق الإقصائي” و”الطريق الاستحواذي” ، اللذين تمثلهما الحكومة والمعارضة، وقال: (مشوار مبادرة “الهندي” لن يكتمل إلا باكتمال عملية الحوار الوطني التي تجمع كل فئات الشعب). وأضاف مؤكداً على قدرة حزبه وأحقيته في تقديم ضمانات يمكن أن تطمئن لها الحركات (جربونا من قبل  في الاتحادي ووجدونا سيفاً مسلولاً).
ضمانات أم ضرورات انتخابية؟
لكن بالنظر لتعداد المحاولات التي أطلقها عدد من الأحزاب والكيانات لإقناع الحركات بقبول الحوار الداخلي بدءاً بآلية الحوار الوطني (7+7) التي شكلت لجنة أساسية من ضمن لجانها الخمس مهمتها الوحيدة الاتصال بالحركات المسلحة على رأسها رئيس حركة الإصلاح الآن د.”غازي صلاح الدين”، والقيادي بالاتحادي (الأصل) “أحمد سعد عمر”، والتي وصلت حد توقيع اتفاق إطاري مع الحركات في أديس، ولكن دون أن يتغير موقف الحركات فعلياً على الأرض من عملية الحوار خاصة بعد رفض المؤتمر الوطني المشاركة في ملتقى أديس التحضيري،  بخلاف مبادرات المؤتمر الشعبي المتعددة، وبالضرورة اتفاقات حزب الأمة مع جميع الحركات ممثلة في الجبهة الثورية، وإن كانت الحكومة تضعها في خانة (الخيانة والعمل العدائي). بالنظر لكل المحاولات هذه يقفز تساؤل عن مدى جدية الاتحادي في مبادرته هذه وإمكانية نجاحه في ما فشل فيه الآخرون، أم أنها مجرد عرض من أعراض  الحمى الانتخابية؟ ولأن “الدقير” لا يفوت عليه مثل هذا التساؤل قد ابتدر الإجابة عليه وهو يخاطب جماهير حزبه، مؤكداً أن الاتحادي همه الأساسي والوحيد هو الوطن وليس المصالح الحزبية والانتخابية، قائلاً: (نشهد الله العظيم أننا نعمل لمصالح أهلنا إرضاءً لله وليس لمصالح انتخابية).
بين الخطاب العاطفي وجدية المبادرة
ولكن يظل التساؤل قائماً ما هي مؤهلات الاتحادي وهو جزء من السلطة  للقيام بمهمة جلب الحركات لطاولة الحوار الداخلي. وهل يكفي ما يبدو أنه خطاب عاطفي من “الدقير” بأن (رقاب الاتحاديات ضمان لسلامة الحركات؟). وهنا يتصدى أمين التعبئة السياسية بالحزب “هاشم عبد الجليل”  للإجابة، نافياً بشدة أن تكون المبادرة التي طرحها “الدقير” مجرد خطاب عاطفي منبت عن الواقع، قائلاً: (هذه مبادرة سياسية جادة و الأمين العام يعي تماماً ما يقوله ولا يلقي الكلام على عواهنه)، مؤكداً أن “الدقير” على قناعة بأنه سيقدم حيثيات مقنعة للحركات. وكشف “عبد الجليل” لـ(المجهر) أن “الدقير” تلقى ضوءاً أخضر من قيادة الدولة لتقديم المبادرة وما يلزمها من ضمانات، لكنه تحفظ على كشف تفاصيل المبادرة التي أكد أنها لم تتضح بالتفصيل حتى الآن. وأكد “عبدالجليل” أن الاتحادي مؤهل للاطلاع بمهمة إقناع الحركات بالحوار الداخلي، مشيراً إلى امتلاك حزبه صلات وثيقة بالحركات قائلاً: (لدينا كثير من جسور الثقة مع الحركات فنحن وهم رفقاء نضال طويل منذ زمان بعيد جعلنا محل تقدير خاص لديها). وأشار إلى أن قيادات اتحادية على رأسها “الدقير” ، ومساعد الأمين للشؤون السياسية “السماني الوسيلة” التقوا مراراً بقيادة الحركات المسلحة، وقطع بأن مبادرة الاتحادي ستحظى بقبول الحركات.
ولكن يبقى أن عوامل متعددة تتحكم في خيارات الحركات المسلحة وفي إمكانية قبولها بالجلوس إلى طاولة الحوار داخل السودان، من أهمها  عوامل خارجية متعلقة بمواقف القوى الكبرى الدولية والإقليمية من النظام في الخرطوم؛ الأمر الذي يرتبط مباشرة بموقف الحركات على الأرض من حيث القوة والضعف والذي يُعتبر العامل الأهم في إمكانية نزولها إلى خيار الحوار من عدمه، لتبقى من بعد مسألة الضمانات لقدومهم إلى الخرطوم  أمراً مقدوراً عليه.

 

السوداني