الطيب مصطفى

غازي صلاح الدين وقيمة العفو


أودُّ أن أنصح الأخ د. غازي صلاح الدين بأن يسحب الدعوى التي أقامها ضد الفريق محمد بشير سليمان، سيما وأن الرجل قد نفى أنه قال لمحرر صحيفة (السياسي) إن غازي قد تلقى دعماً من الاتحاد الأوروبي.

لو كان القضاء ناجزاً بما يضمن صدور حكم نهائي خلال أيام بدون أن يخضع لسلسلة الاستئنافات التي كثيراً ما تؤخر الحكم إلى ما بعد وفاة صاحب الدعوى، لما نصحت غازي بسحب الدعوى.

أهم من ذلك أن يعلم د. غازي أنه لا يحتاج إلى إثبات نظافة يده، بعد أن حصل على البراءة من كل من كتب معقباً على الاتهام، بما في ذلك من يخالفونه الرأي فكراً وسياسة، فهلا جنح غازي إلى العفو والصفح الذي يليق بأمثاله من (المحسنين)، تأسياً واتباعاً لقول الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

غندور والواتساب

لم أرض البتة تلك الرسائل الكاذبة المتداولة عبر الواتساب والتي زعمت أن بروف إبراهيم غندور تعرض لاعتداء خلال ندوة أقامها المؤتمر الوطني بحي الحماداب بالخرطوم ألجأه إلى الاختباء تحت الصيوان حتى اضطر إلى خلع حذائه وهو يفر من اللقاء الجماهيري!

مثل تلك (الفبركات) والأكاذيب تسيء إلى المعارضة بأكثر مما تسيء إلى الحزب الحاكم والحكومة وتشوه سمعة وسلوك المعارضة وتفقدها المصداقية وتحط من قدرها وتظهرها بمظهر الكذاب المتجرد من الأخلاق، وهل يليق بفاقد الشيء أن يعطيه وهل يحق للكذاب أن يقدم نفسه لينال ثقة الجمهور وينصب ممثلاً لهم في البرلمان أو في الجهاز التنفيذي؟

ظللنا نحن في منبر السلام العادل نعارض بشرف ونخاصم بأخلاق وإذا كنا ننقم على الحكومة وعلى حزبها سلوكهم المناقض في كثير من الأحيان للعهود والمواثيق فكيف يجوز للمعارضة بشتى مسمياتها أن تأمر بالبر وتنسى نفسها وهي التي تزعم أنها جديرة بثقة الناس صدقاً وتجرداً وخلقاً؟!

نرفض بشدة أن تنغمس المعارضة في مستنقع الأكاذيب فوالله أنها لا تحتاج إلى كثير جهد لتكشف عوار من تعارض ولا إلى اختلاق القصص التي تسوّقها لبيان أخطاء الحكومة وضعف أدائها في شتى ضروب العمل التنفيذي سواء في الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.

التسوّل

سعدت كثيراً لإجازة المجلس التشريعي بولاية الخرطوم قانون التسوّل بعد التعديلات المنطقية والموضوعية الواردة فيه خاصة وأن القانون فرق بين الكبار والصغار الذين يفترض أن يخضعوا لقانون الطفل.

دعونا نقر أن نسبة الفقر تزايدت كثيراً وأن هناك محتاجين ومساكين أضطرهم الفقر والمسغبة إلى التسوّل ولكن علينا أن ننكر كذلك بعض الممارسات السيئة خاصة من الآباء الذين يلفظون أبناءهم وبناتهم ويدفعونهم إلى الشوارع لكي يمارسوا (الشحدة) أو يتخلوا عن رعايتهم بما يؤدي إلى تشردهم وعيشهم في الحفر والمجاري وتعرضهم إلى أخطار جمة قد تحيلهم إلى مجرمين يروعون المجتمع وأقولها بملء في إنه لا ذنب لأولئك الأطفال الذين يهيمون على وجوههم في الشوارع وإشارات المرور إنما هم ضحايا لأسر ومجتمع ألجأهم إلى ذلك المصير المؤلم.

الآن وقد أجيز القانون فإنه لا عذر لولاية الخرطوم في أن تسكت على تلك المشاهد المؤلمة التي تسيء إلى سمعة بلادنا خاصة في العاصمة التي تمتلئ بالمنظمات الأجنبية والخواجات.

القلب ينفطر على أطفال صغار في سن التعليم يجوبون الشوارع الرئيسية ويمسكون بخرق بالية يمررونها على زجاج السيارات المتوقفة بدون إذن من أصحابها.. إنها وسيلة للشحدة بل إنها وسيلة لإهدار الكرامة ومشاعر العزة لدى صغار كان ينبغي أن ينالوا الرعاية من المجتمع والدولة بعد أن عجز أهلوهم عن توفير الحضن الدافئ والعيش الكريم لهم.

يحمد للقانون أنه اعتبر من يتسول بلا سبب من فقر أو حاجة مجرماً وشدد العقوبة على من يرتكبون المخالفات المتعلقة بالتسول بما في ذلك من يحرضون على التسوّل وتصل العقوبة في بعض الحالات إلى عشر سنوات مع مصادرة الأموال التي تضبط بحوزة المتسول وإبعاد الأجانب بعد العقوبة المنصوص عليها قانوناً.

إن على حكومة ولاية الخرطوم تحديداً بعد أن أجيز القانون أن تنشئ وبصورة فورية إدارة خاصة لمكافحة التسوّل مع رصد موازنة معقولة لمواجهة الظاهرة وتوفير دور لأصحاب الحاجة من المتسولين خاصة الأطفال الذين يحتاجون إلى تربية وتعليم ذلك أن الأمر يحتاج إلى مكافحة يومية ولن تحده (الكشات) التي تحدث بين فترة وأخرى ومن شأن المكافحة اليومية أن تخيف المتسولين وتردعهم عن إراقة ماء وجوههم كما أن تطبيق العقوبات على الآباء المقصِّرين في حق أطفالهم ستردع المستهترين منهم وتنظف المجتمع من هذه الآفة المسيئة إلى البلاد.