جعفر عباس

عبسلام له حول التبغ حلو الكلام


صديقي منذ ربع قرن، الشيخ عبسلام (عبدالسلام) البسيوني داعية إسلامي مصري، يقيم في قطر مثلي سعيا لتكوين النفس الأمارة بالثراء، وهناك من يعتبره ظلاميا رجعيا متخلفا (أنا من الذين كانوا يصفونه بالـ«تخلف»، فالرجل فلاح صعيدي ورغم شهاداته الجامعية وعصاميته التي جعلته يتقن الإنجليزية بالعون الذاتي، فقد ظل يتهيب التعامل مع التكنولوجيا، ثم – سبحان الله – صار مشرفا على موقع إسلام أونلاين)، وهناك شيوخ يتهمونه بأنه ليبرالي، لأنه يعشق الفنون والأدب (قال لي: الموسيقى حلال بس ما تقولش لحد إني قلت كدا)، وما جعل البسيوني يدخل قلوب الناس، أنه باسم على الدوام، ولا يجد حرجا في سرد الطرائف والنكات في ثنايا الخطب الدينية.
تعالوا معي نتصفح جانبا من دراسة له عن التدخين، وكلي ثقة في أنكم ستستمتعون بقراءة الشذرات التالية منه: بعض المشايخ الذين يخزّنون، أو يحششون، أو يتنبلون، أو يدخنون يقولون إن أكل النبات أو تعاطيه -ومنه الدخان وأخواته- سُنَّة؛ وبعض المشايخ المدخنين يقول إن التدخين في أقصاه مكروه لا حرام.. وبعض المتصوفة يرون التحشيش سلطنة، وبعض العامة يقولون: لو كان حرام فاحنا بنحرقه، ولو حلال أدينا بنشربه! و«يزعلون» جدًّا لو هوجمت شركات السجائر، فما ذنب العاملين فيها وعائلاتهم، (يا عيني)، و(قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، و(عض قلبي ولا تعض رغيفي)!
«وقال الشيخ الغزالي رحمه الله إن من المتناقضات الباعثة على الحزن، أن المسلم ينفق أوقاتًا وأموالاً طائلة في الزواج، ثم بعد ذلك كله يقول عليه الطلاق إن عاد إلى التدخين، ثم يدخن، وتذهب امرأته في سيجارة، وينهار بيت أنفق في إقامته الكثير!»
«وقال تشرشل، وكان مدخنًا للغليون (البايب): المدخن الشره الذي يقرأ الكثير عن أخطار التدخين، لا بد أن يقلع يومًا عن القراءة! وقال مارك توين: الإقلاع عن التدخين هو أسهل شيء، فقد قمت بذلك ألوف المرات! وقال راي كمفارت: على كل مدخن أن يفكر في المستقبل، فكل نفثة دخان هي (تكة) تقربنا من قنبلة زمنية رهيبة العواقب، وقال بعضهم: التدخين ما هو إلا هواية في العشرين/ وإدمان في الثلاثين/ وهبوط بالقلب في الأربعين/ وتصلب بالشرايين في الخمسين/ وموت مؤكد في الستين/ والسبب -دائماً- مادة النيكوتين. وقيل إن فوائده ثلاث: المدخن لا تصيبه الشيخوخة/ ولا يُسرق منزله أبدًا/ وتهرب منه الكلاب! والسبب لعدم إصابته بالشيخوخة، أنه يموت وهو ما زال شابًّا، ولا يُسرق منزله، لكثرة سعاله طوال الليل، فيخشى اللصوص الاقتراب من منزله! وتهرب منه الكلاب: لأنه دائمًا يتكئ على عصاه!
تقول منظمة الصحة العالمية إنّ التدخين المباشر والسلبي يقتل نحو عشرة أشخاص في الدقيقة، ويسبب «عالميا»، 1.4 مليون حالة وفاة في كل عام! وأشارت الدراسات إلى أن 30 مليون شخص ينضمون إلى قافلة المدخنين كلّ عام، ويتوقع الخبراء أن يموت قرابة النصف من أولئك بسبب عادة التدخين!
مدح بعض الشعراء السيجارة وتغزل بها تغافلاً أو تظرفًا، ومنهم الشاعر فوزي المعلوف، فاقرأ: تراني دومًا واللفافة في فمي / تمامًا كتقبيل الفراشة للورد / وألثمها لا لثمة الوجد إنما / تضوّع منها الحب في نفحة الند / فتبعث حولي زفرةً من دخانها / وتبعث أنفاس الصبابة عن عمد.. وقال أحدهم: أقبّلها في اليوم مليون قبلة *** فلا أستحي منها.. ولا هي تمنعُ / كأني بها عذراء برت بحبها *** فلا هي ترويني.. ولا أنا أشبع / تموت على ثغري البريء شهيدة *** فأحرق أنفاسي بخورًا يضوَّع
ونواصل غدا بمشيئة الله، إذا لم يكن تبغ القمشة البذيء الذي شفطته في شمال السودان، ثم التبغ الفرجيني الفاخر الذي نهلت منه لاحقا، قد جاب خبري، رغم إقلاعي عن التدخين رسميا قبل ربع قرن.
نبقى مع صديقي الداعية الاسلامي المصري عبدالسلام البسيوني، أكثر الدعاة «جماهيرية وشعبية» في قطر، لأنه من مدرسة الراحل علي الطنطاوي رحمه الله، وليس من شاكلة الوعاظ الذين يخطبون وهم زعلانين، ومعظم كلامهم ويل وثبور، وينسون أن هناك جنة أُعدّت للمتقين، وقد تناولت بالأمس جانبا مما أورده عن التدخين، بعيدا عن التحليل والتحريم، موردا أقوال المتغزلين بالتبغ، وأقوال الجهات الصحية التي تلعن خاش التبغ والمتتبغين، ونواصل اليوم استكمال عرض ما قاله الشعراء في «محاسن» التبغ:
الشاعر الطبيب، حمد وصْل العصيمي، سعودي الجنسية، قال مخاطبا المدام: دعيني أدخن لا تمنعيني/ ولا تقفيِ بين تبغي وبيني/ فأنت وهذي السجارة يا سيدتي/ تقتسمانِ سنيني/ فنصفي إليها ونصفي إليك/ فلا تظلميها ولا تظلميني/ دعيني أدخنُ لا تمنعيني/ ولا تُغضبيها رجاءً ولا تُغضبيني/ فتلكَ التي في يميني/ بها سِرُّ شعري/ دعيني أدخن إني بتبغي/ أحارب جرحًا/ أحارب قُبحاً بوجه السنين/ هبيني أقلعت عنها هبيني/ فكيف ساُقلعُ عنك/ عن الحُب يا نور عيني؟! تقولين إن السجارة تُحرق صدري/ فأنت التي تُحرقيني/ وأنتِ التي تُطفئيني حُبًّا/ وأنت التي تُشعليني (على كل مدخن تنقنق زوجته بشأن السجائر أن يحفظ أبيات البكش هذه، لأنها ستجعل الزوجة تنسطل بالنيكوتين اللفظي وتكف عن النقنقة).
ثم يعرج شيخ عبدالسلام على ما قاله نزار قباني (شاعر المرأة) على لسان حبيبته (انظر مجانية الألقاب عند العرب، فإذا كان نزار شاعر المرأة، فمن هو شاعر الرجل؟ طه حسين عميد الأدب. من هو وكيل عريف الأدب؟ حافظ ابراهيم شاعر النيل فهل كان احمد شوقي شاعر الأمازون؟ ثم إن شوقي نفسه أمير الشعراء فمن هو ملكهم أو ولي عهده؟ وأم كلثوم كوكب الشرق، ومن هي كوكب الجنوب، وعبدالحليم حافظ العندليب الأسمر فهل هناك عندليب بمبي أو تركواز؟)، ما علينا ولنسمع ما تقوله هذه الفتاة لحبيبها النيكوتيني: واصل تدخينك، يغريني/ رجلٌ في لحظة تدخين/ ما أشهى تبغك والدنيا تستقبل أول تشرين/ (شكرا نزار فهذا يوم مولد سي. دي. أبو الجعافر) دخن .. لا أروع من رجلٍ/ يفنى في الركن .. ويفنيني/ أشعل واحدةً .. من أخرى/ أشعلها من جمر عيوني/ ورمادك ضعه على كفي/ نيرانك ليست تؤذيني (هل هذه حبيبة أم مصفحة؟)/ أحرقني .. أحرق بي بيتي/ وتصرف فيه كمجنون/ فأنا كامرأةٍ .. يكفيني/ أن أشعر أن هناك يداً/ تتسلل من خلف المقعد/ كي تمسح رأسي وجبيني (هذه قليلة حياء فقد نسيت أمر السيجارة وصارت تتمنى الهبش والخمش).
وماذا قال شاعر العراق الكبير معروف الرصافي عن التدخين: وربّ بيضاءِ قيدِ الأصبع احترقت/ في الكفّ وهي احتراق في الحشاشات/ إن مَرّ بين شفاه القوم أسودها/ ألقي اصفرارًا على بيض الثنيّات/ وليتها كان هذا حظّ شاربها/ بل قد تفُتّ بكفّيه المرارات/ عوائد عمّت الدنيا مصائبُها/ وإنما أنا في تلك المصيبات.. ثم اقرأوا كلامه المليان فيتامين: لو لم يكُ الدهر سوقًا راج باطلها/ ما راجتِ الخمر في سوق التجارات/ ولا استمرّ دخان التَبغ منتشرًا/ بين الورى وهو مطلوب كأقوات/ لو استطعت جعلت التبغ محتكَرًا/ حتى يَبيعوه قيراطًا ببدْرات/ فيستريحَ فقير القوم منه/ ولا يُبْلى به غير مُثرٍ ذي سفاهات/ الحُرّ من خرق العادات مُنْتَهِجًا نهج الصواب ولو ضدّ الجماعات.
قلت لكم إن من صاغ هذا الكلام داعية إسلامي معروف ثم انظر كيف يصل الى مقصده من دون تهديد القارئ بالويل والثبور يوم النشور!

jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. راسك فااااااااااااااضي يا جعفر عباس مهما اتفلسفت و ادعيت الثقافة