حوارات ولقاءات

اسحق الحلنقي: منذ ولادتي وأنا أعاني.. وأنا رئيس من غير دبابات وعساكر


إسحق الحلنقي شاعر معروف للجميع ولا يحتاج لتعريف أو مقدمة عنه, فهو إنسان جميل بكل ما تحمل هذه الكلمة وصاحب قلب معلق بالعصافير والزهور وبعيد جداً عن الخصامات.. سجل زيارة لطيفة لـ(السياسي) وكان كعادته كلما حل محل ترحاب ويجد إستقبالاً كبيراً في كل مكان.. جلسنا إليه لدقائق معدودات تحدث فيها بكل إريحية وأبدى رأيه في العديد من القضايا التي تهم الساحة الفنية الآن:
* إسحق الحلنقي رأيك بكل صراحة في كلمات عن الشعراء الشباب؟
– صراحة أنا لا أعترف بأعمالهم تلك، وذلك لإنعدام الصدق والعاطفة النقية والجميلة فيها، وهي أغنيات سريعة الذوبان ولا تستطيع أن تصمد في الساحة طويلاً وكل عمرها لا يتعدى الأيام.. ولا توجد مقارنة بين أغنيات زمان وما يقدم الآن، فالأغنيات القديمة هي الأجمل والأفضل لأنها إتسمت بالصدق وقوة التعبير لذلك ظلت صامدة ومتألقة طوال هذه السنوات الطويلة وأنا معي مجموعة من الشعراء كبار ومقتدرين لكن ظروفهم يبدو أنها لم تسمح لهم بالمواصلة. فأنا الآن وحيداً في الساحة أحارب وأجاهد لكتابة الأغنية الجميلة لكي لا أعطي فرصة للأغنيات ذات المعاني غير المقدرة أن تمشي في الساحة وأشعر أن هناك غناء هابط كثير وأنا أجاهد جهاداً متواصلاً لإيقاف هذه المسيرة وإن شاء الله ربنا يقدرني على كده.
* إسحق الحلنقي متابع لمسيرة الأغنية السودانية.. والحلنقي صاحب عطاء وافر وتغنى لك من أكبر الأسماء الغنائية في السودان وإلى الآن وأصغر الأسماء الناشئة التي تتلمس دروب النجاح في الغناء.. الحلنقي ما بين جيل محمد وردي وحتى جيل قبل شموس وصباح.. في سنوات طويلة تساقط فيها مجموعة من كبار الشعراء وضعف منتوجهم.. إسحق الحلنقي بتجيك الحاجات دي كلها من وين ما شاء الله وعيني باردة لحدي هسه بتكتب؟
– الموضوع مافيه إني قدرت أحافظ على طفولة الجمال بداخلي والشيء الذي يميزني أنني أخذت براحاً (بتاع كم وعشرين سنة) خارج البلاد أخذت فيه إتكاءة مريحة وعدت إلى البلاد وأعتقد أن البعض من زملائي الشعراء إذا وجدوا لهم مناخاً مناسباً للكتابة أكيد لن ينقطعوا عنها وإذا الدولة هيأت لهم سكناً وأشياء كثيرة جداً يفترض أن تتوفر لكل مبدع أكيد حا يبدعوا والشيء الذي أبعدهم هو السعي والجهاد المستمر لتأمين لقمة العيش لأولادهم.
* ولكن.. يقولون إن الشعر الجيد نابع من المعاناة دائماً؟
– ضاحكاً.. إذا هو نابع من المعاناة بي أمانة أنا من ما ولدوني بعاني وحتى هذه اللحظة.. ولكن أنا أتوقع أن الغناء الهابط الذي إكتسج الوسط الإبداعي في هذا الزمن إذا وجد فرصة مقاومة من بعض الشعراء الذين يكتبون الكلمة الجادة والنقية ممكن أن يحصل له نوع من الإنحسار، ولكن طالما أن الشعراء الذين يكتبون شعراً جميلاً مبتعدين عن الساحة فشعراء الأغنية الهابطة لن ينقطع إنتاجهم أبداً.
* طيب الحلنقي.. وضع الشعراء في السودان هل هو مجدٍ؟.. الإتحاد ما فيهو دار ولا عندهم معاش ثابت من الدولة؟
– الشعراء في عدد كبير من الدول العربية مفرغين لكتابة الشعر ويأخذون رواتب وهم في بيوتهم -كما قال لنا الأبنودي- حينما سأله المرحوم عثمان خالد قال له: إنت بتشتغل شنو؟ قال ليه: أنا شاعر وشغلي شاعر وباخد مرتب من الدولة بإعتبار إني شاعر مفرغ، يعني متوفرة لي كل الظروف البتخليني مرتاح وبكتب، ولكن نحن هنا نعاني معاناة شديدة، وكما قلت: إذا أمنوا للشعراء الحياة الكريمة الطيبة أكيد ح يبدعوا، ولكن كيف يبدعون في ظل الظروف الإقتصادية الضاغطة التي لا تعطي فرصة للإبداع؟.
* إسحق الحلنقي.. هناك أصوات تقول إن في ترشيحات ليك إنك جاي وزير للثقافة لولاية الخرطوم وبقولوا إن ما مكن كل فترة يجيبوا زول بعيد عن قبيلة الإبداع وبعيد عن الثقافة وعن المعاناة وعن المشاكل؟
– رد ضاحكاً.. أنا صراحة وصلت إني عايز أعيش عصفور يتنقل بين البساتين.. شغل الحكومات والمراكز السياسية دي ما بنفع معاي.. أحسن يخلوني لمراكز الطيبة والحنية.
* يعني إنت ما بتحب السلطة؟
– نعم.. أنا لا أحب السلطة وطول عمري بتعامل مع الناس بالمحبة والإبتسامة الحلوة.. والحتة بتاعت السلطات دي عندها ناسها البيعرفو يشتغلوها، لكن أنا السلطة بتاعتي في الجمهورية لو جيت أحاكم القاضي بتاعي ممكن يكون الطير، وجمهوريتي لا يوجد فيها دبابات ولا محكمة، جمهورية مليئة بالحب والسلام وتشتهي تشوف عسكري ماشي في السكة.
* الحلنقي يقال إن إذاعة المساء أخذتك من الإنتاج؟
– لا.. لا.. أنا قادر أوزن بينهم الإثنين.
* ملهمة الحلنقي منو؟
– الملهمة هي أم أولادي وعيون أم أولادي هي وحيي وإلهامي.
* أستاذ إنت شايف بعد العطاء دا كلو لقيت التكريم اللائق بيك من الدولة؟
– والله التكريم الذي وجدته من الشعب السوداني يكفيني وما مشيت مكان إلا ولقيت ناس بحبوني وبعزوني.
* ذكرى وردي داخل الحلنقي؟
– والله أنا كل ما إتذكر محمد وردي بتذكر إني فقدت عملاقاً.. وحين توفي وردي دخلت في حالة حزن لمدة شهرين ما بسمع (عصافير الخريف) ولا بسمع (أعز الناس).. لأن أول ما أسمع غناء وردي بحس أن أنفاسي بتحترق وأخذت فترة عايش حالة حزن شديدة جداً جداً والحمد لله قدرت إتجاوز المرحلة دي، ووردي فقد عظيم جداً بالنسبة لي لأن وردي كان بعرف يوصل كلمتي ويكسبها مرحلة خلود ودي معدومة عند الغير.
* الحلنقي الناس بتقول إنك في الفترة الأخيرة ركزت على الفنانة ندى القلعة من دون البقية وبقولوا إنو في ضعف أو ندرة في الأصوات النسائية في الساحة؟
– أنا ركزت على ندى القلعة لأنها بصراحة من الفنانات البوصلن الغناء بتاعي، وأنا بفتكر إنو ندى هي الآن وفي الزمن هي الفنانة المتربعة على عرش الأغنية النسائية وهي تتميز بحضور طاغٍ وتتعامل مع الشعراء تعاملاً راقياً جداً وفيها ميزة وهي أن لها قدرة عالية وذكاء خارق على حفظ الأغاني بسرعة.. أنا ممكن أكتب ليها الأغنية الليلة وبكرة أسمعها تغنيها وبتتفاعل مع الغناء بطريقة عالية جداً جداً.
* طيب الأصوات الشعرية الحالية في الساحة يعني الزول بلاحظ إنو في تشابه في المفردات وفي تشابه في القضايا المطروحة حتى في الهيافة بتاعت الطرح ذاتو يعني أعمال ما بتصمد في الساحة أكثر من شهرين أو ثلاثة؟
– بأمانة هذا ينتج عن أشياء كثيرة جداً جداً، إذا الأغنية ما إتكتبت بصدق عفوية الإبداع نفسه ما ممكن تثبت، لكن الأغنية البتتكتب بصدق العاطفة وحرارتها بتثبت، وتعيش وشعراء زمان كان الواحد يمشي حفلة يكتب قصيدة بتعيش بعده 100 سنة لأنها كتبت بصدق ولكن شعراء الزمن دا -مش كلهم- عدد من الشعراء وخاصة الغناء الهابط الواحد بكتب الأغنية الليلة برقصو بيها في الحفلة تاني يوم بكونوا نسوها لكن شعر زمان بكتبوهو بصدق.. ودا الفرق.

حاورته: سماح صديق- السياسي