حوارات ولقاءات

أول أفواج اليمن..سفارتنا أبت إلا وان تحيل فرحتنا بإكرامية حكومة السعودية الى حزن مقيم


لم يكن يمر بخلده أن يتحول اليمن السعيد الى تعيس بين ليلة و وضحاها، يعيث فيه الحوثيين خرابا. فاليمن الذي ألفه كما ألفه تلاميذه وطلابه اليمنيين حيث ظل النعمان عبد الله إدريس يعمل هناك أستاذا للتربية الإسلامية منذ عام (1979) حتى عام (1990).

علاقة الأستاذ باليمن لم تنته بانتهاء مدة عقد التدريس لكن عاد مجددا إليها في عام (2012) ضمن فريق منظمة الدعوة الإسلامية. فظل يشد إليها الرحال في كل عام لكن في العام (2015) رأى النعمان ما لم يكن يدر بخلده . حيث وجد نفسه مع رفاقه السودانيين وسط لجة الحرب التي أشعل أوارها الحوثيون . ولما لم يجدوا من يوقف زحفهم انبرت لهم الدول العربية التي من ضمنها السودان عبر قوات مشتركة وسمت بـ(عاصفة الحزم)

ياسر بخيت

(ألوان) تركت المساحة للأستاذ النعمان عبد الله ليسرد تفاصيل مشاهداته منذ أن اندلعت الحرب في اليمن حتى وصوله مع العائدين الى ارض الوطن فكانت هذه التداعيات.

( ارجوا أن لا يخرج احد منكم خارج العمارة غداً) جملة تتموضع بين الرجاء والأمر ألقى بها (عاقل الحارة) والذي يوازيه هنا في السودان (شيخ الحلة) . ألقى بها في وجهنا نحن المقيمين بعمارته مساء الجمعة الموافق (19-3-2015) تحسباً للتردي الأمني الذي سيعقب دخول الحوثيين لمدينة البن (تعز) . قال كلماته المقتضبة ومضى ليحذر بقية المستأجرين بعمارته. في الصباح نما الى أسماعنا أن الحوثيين استولوا على (تعز) دون مقاومة تذكر بدليل أننا لم نسمع طوال مكوثنا داخل (الشقة) التي تعود ملكيتها ل(عاقل الحارة) لم يتناهى لإسماعنا اى صوت لرصاص أو حتى هتاف مناوئ للحوثيين.

شباك الحوثيين:

أتصلنا بمكتب منظمة الدعوة الإسلامية الذي نعمل ضمن طاقمها في التعريف بأهداف عملها ومشاريعها الإسلامية التي تصب جميعها في محاربة المد الكنسي بقارة أفريقيا لأجل أن تقف الدول العربية والإسلامية الى جانب برامجها . طلبوا منا نحن الخمس سودانيين الحضور أعجل ما يكون الى صنعاء . حزمنا أمرنا وتوجهنا صباح الاثنين الموافق (23-3-2015) تلقاء العاصمة صنعاء. لكن ما جعل الحيرة تلفنا أننا لم نواجه بغلظة من قبل الحوثيين الذين يرابطون في نقاط التفتيش التي مررنا بها فما أن نجيب بأننا سودانيين حتى يفسحوا لنا لنعبر. لكن هذا لا ينفي محاولة معارضة بعض صغار السن منهم على مرورنا.

العاصفة الحازمة:

وصلنا لصنعاء التي ترزح تحت سيطرة الحوثيين ليلاً. مر يوم الثلاثاء دون ما يعكر صفو الهدوء لكن في يوم الأربعاء وبعد أن فرغنا من أداء فرض صلاة المغرب اتصل بنا القائمون على أمر المنظمة وأمرونا بعدم الخروج بتاتا دون أن يفصحوا لنا عن أسباب المنع. بعد نصف ساعة من اتصالهم، نما الى أسماعنا دوي الصواريخ المنهمرة من ارتال من الطائرات الحربية . تزامن ذلك مع محاولة الحوثيين المدعومين من قبل على عبد الله صالح وفق حديث الشارع اليمني الدخول الى عدن.

في صنعاء التي نقيم فيها كانت قوات (عاصفة الحزم) الجوية تواصل ضرب أهدافها بدقة متناهية بحيث لم يتعدى الأهداف المحددة حتى أننا لم نسمع بحدوث خسائر بشرية أو مادية وسط المواطنين. اللهم إلا بعض الإصابات الطفيفة الناتجة (روائش) المصدات الأرضية التي استعملها الحوثيون دون دربة ودارية ليصدوا بها هجمات طائرات (عاصفة الحزم).

استمر القصف الجوي من مساء الأربعاء حتى صباح الخميس . لكن ما يحير أن الحياة في صنعاء المدينة لم تتأثر بما جرى مساء فسارت حياة الناس طبيعيه. حتى الأسواق كانت وتيرة البيع والشراء فيها طبيعية.

الإجلاء المرتقب:

سارعت سفارتنا هناك في طريقة آمنة تجلي بها رعاياها فتخيرت الطيران ولان الحوثيين احكموا قبضتهم على كل المطارات اسقط في يد سفارتنا أن الحوثيين يرفضون فكرة أجلاء السودانيين جواً فأعادت السفارة رعاياها من ارض مطار صنعاء الى سكناهم مرة أخرى.

لم يكن هناك خيار أمام السفارة سوى التفكير في إجلاء السودانيين براً . في يوم الثلاثاء الموافق 7 ابريل وبعد أن تقرر التفويج براً دعت السفارة رعاياها للحضور في الساعة السابعة صباحاً . واللافت هنا أن سفارة السودان إضافة لكونها الوحيدة التي يوجد مقرها بصنعاء العاصمة فهي لم تغلق أبوابها كبقية السفارات أثناء الأحداث.

الكهول والأطفال:

فجراً اكتظت باحة السفارة بمن يرغبون في العودة الى ديارهم امنين. مرت لحظات الإجراءات بنوع من البطء لكثرة المغادرين واعتقد أن هناك ثمة تنسيق تم بين سفارة السودان في اليمن من جهة ووزارة خارجيتنا من جهة مع وزارة خارجية المملكة العربية السعودية التي تقرر إجلاءنا إليها براً . حيث اكتفت السفارة بتسجيل الاسم ورقم الجواز فقط وصورت البيانات لكذا وعشرين صورة بعدد نقاط التفتيش التي تحتفظ كل منها بصورة من بيانات المغادرين.

بعد تحركنا في الساعة الحادية عشر تعطل البص الذي يقلنا ولم يتم التمكن من إصلاح عطبه إلا عند الرابعة عصراً فتوجه بنا البص غرباً ناحية ميناء (الحديدة) دون حراسة. لم نجد معاناة إلا في القليل من نقاط العبور التي يقف عليها الحوثيون المدججين بالأسلحة المختلفة . حيث يصعد بعضهم للبص ويقوم بتلاوة الأسماء التي في القائمة ومراجعة جوازات السفر.

الرحلة الثانية:

بعد وصولنا ميناء (الحديدة) في الساعة التاسعة مساء تم نقلنا الى بص آخر وبدأت رحلتنا الثانية حيث سلك بنا البص طريق الساحل حتى عبرنا للحدود السعودية عند صلاة الفجر تسمى ب(منفذ الطوال). وهنا بدا عمل التأشيرات من جديد حيث واجهنا إجراءات عقيمة استغرق إكمالها من السابعة صباحا حتى الثامنة مساء . لكن الحق يقال أن حكومة المملكة العربية السعودية قامت بإكرام وفادة السودانيين من ناحية توفير المأكل والمشرب.

منحة ومحنة:

تكرمت سفارتنا بالسعودية بمنح كل شخص مبلغ (50) ريالاً سعوديا كنثرية طريق وتوجه الركب يوم الخميس الموافق 9 ابريل شمالا ناحية مدينة (جدة) التي وصلناها عند العاشرة صباحاً.سمحت لنا السلطات في جدة بالإقامة بالمملكة لمدة (15) يوما وزادت بان خيرت من له الرغبة في أداء العمرة بالذهاب . لكن سفارتنا أبت إلا وان تحيل فرحتنا بإكرامية حكومة السعودية الى حزن مقيم بعد أن ابلغنا مندوبها بأنهم غير مسؤلين عن تبعات خروجهم لأداء مناسك العمرة وكل من يخرج من باب مدينة الحجاج التي نقيم فيها فهو خارج نطاق مسؤوليتهم. قرارهم هذا أدى لتثبيط همم كثيرين كانوا ينتوون أن يؤدوا مناسك العمرة وان يؤدوا صلاة شكر لنجاتهم . بعضهم قرر المجازفة و أدى العمرة وعاد كما فعلت و اللافت أنني بعد عودتي فوجئت بان الطاقم المسئول عن حراستنا من السعوديين باركوا لي العمرة .

الوصول للوطن:

لم تكن هناك مصداقية في مسالة الطيران ومواعيدها ففي كل مرة يتم تأجيل مواعيد عودتنا لأرض الوطن . بعد ثلاثة أيام أقلتنا مساء السبت طائرة الخطوط الجوية السعودية فتم استقبالنا في مطار الخرطوم بالزغاريد الحلوى حامدين الله على سلامتنا ونجاتنا مما كنا فيه، وأضاف 🙁 تركت خلفي ابنة شقيقتي وزوجها لتعذر انتظاري لهم لأنها كانت في حالة وضوع ، حيث بلغنا أمس الأول أنها رزقت بطفل هناك ).

الوان


تعليق واحد