عبير زين

الأراجوز السياسي (شاهد شايف كل حاجة)! (مُنع من النشر)


لم يكن الفن يوماً يعمل بمعزلِ عن السياسة، ولم تكن السياسة لتقوم دون دعائمٍ من فنٍ وأدب تُرسخ لها وتُعبد لها الطرق الوعرة ويشهد التاريخ بأن السياسة أفلحت في تسخير الفن كمطايا لتثبيت أقدامها في المجتمعات.

كان لفن الكوميديا قصب السبق في المزج الواضح بين الفن كآداة تعبيرية وتغييرية وبين السياسة كوسيلة لقيادة المجتمعات من خلال قنوات الإقتصاد وغيرها مما يؤثر التأثير المباشر على حياتهم، ومن جهة أُخرى فللفن أيضاً دور بارز في التغيير والتجديد و تحريك الثورات وفرض إرادة الشعوب على حكوماتها الإستبدادية من خلال الأدب والكوميديا الساخرة وفن الكاريكاتير و كلها أدوات مؤثرة لعبت دورها بحرفية في تغيير كثير من واقع الشعوب.

سخرية الشعوب من حكامهم وقادتهم واحدة من تلك الحيل التي تُخرِجُ منهم بعضاً مما يصبونه عليهم من ظلم وقهر وإستبداد و لولا أنهم يصنعون مِن تلك النماذج و الشخصيات القيادية (أرجورات) يقصفونهم بنوباتٍ مِن (الضحك) لخرجت من داخلهم براكين أضرمت ثورات وثورات ورغم أن تلك الحيل تُنّفِسُ عنهم و تخفف كثيراً من معتاناتهم حين يمزجونها بضحكٍ أليم، إلا أنها تفرِّغ عنهم الطاقة الإيجابية المُناط بها تغيير واقعهم و تحيد بهم عن الهدف الأساسي وواجبهم الحقيقي في نبذ ومجاهدة الظلم والإستبداد.

كثيرُ من القادة والحُكام خرجو من أزقة (السياسة) الضيقة إلى رحابة (الفن) لقيادة بطولات ساخرة في مجالس الجماهير البسيطة فشغلوا دور الأرقوزات بجدارة في حياة شعوبهم المُنهكة فأضحكوهم بقدر ما أبكوهم، و على سبيل المثال لا الحصر فقد حصد القائد الليبي معمر القذافي نصياً غير يسير من السخرية مما جعله أُنموذجاً لـــ(أراجوز) ضلّ طريقه من السياسة ليثير الضحك بلا توقف، فهو مع ظلمه الشديد لشعبه وإعتداته بنفسه لحد الغرور القبيح ونكران حقهم في تقرير مصيرهم و إستنكاره لرفضهم إلإستبداد فقد أضاف إلى شخصيته الكثير من التصرفات والعبارات والمصطلحات على شاكلة (زنقة زنقة .. بيت بيت) التي جعلت من عجينته خميرة جاهزة لفرن التأويلات والإضافات والسيناريوهات الكوميدية التي لا زالت تتداولها الأوساط البسيطة قبل الطبقات المثقفة، وقد حظى قبله القائد العراقي صدام حسين بأطنان من السخرية ولم ينجو مثيله حسني مبارك من مستنقع السخرية اللاذعة التي طالته هو وأبنائه ولطخت خليفته المخلوع مرسى قبل وبعد خلعه.

إذاً لا ينفصل الواقع السياسي عن ما يدور فى أروقة المجتمعات البسيطة من قفشات ونكات وكاريكاتيرات ساخرة، فهذه الحيل هي (أُم) الحقيقة إن لم تكن عشيرتها برمتها، فإذا أردت أن تكوِّن فكرةً وتخرج بفهوم عن مدى تقبل شعب لقائدة إبحث بين مجالسهم عن المتداول من النكات السياسية المحظورة تضع يدك تماماً على حجم الجرح.

بالتأكيد وعطفاً على ما سبق فلسنا بمعزلٍ أيضاً عن هذه الأجواء الكوميدية الساخرة أبداً فالسودان كغيره من الدول التي تكتوي أيدي شعبه داخل نار من الظروف السياسية والإقتصادية التي جعلت البسطاء قبل المثقفين يهرهون إلى صناعة أرجوزات يرمونهم (بالهم) قبل أن يقتلهم كمداً، فقد إشتهرت العديد من الشخصيات القيادية والرئاسية والبرلمانية بل والرموز الدينية بمواقفها وتصريحاتها وعباراتها (المضحكة) بدلاً عن إنجازاتهم الفعلية، فتبرع الشعب المكلوم بمنحهم الألقاب بما يتناسب مع وقع مقولاتهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم المؤلمة وتحورت أسماء بعضهم ورُسمت الكاريكاتيرات على مسمع ومرأى منهم ولكن يظل ضربهم بالسخرية خيرُ لهم من قرعهم بالحصى والنِعال ولسان حال الإراجوز من هؤلاء شاهد (عامل فيها) ما شافش حاجة!