محمد محمد خير

ثلاثة أعياد ميلاد


ليس عيد ميلاد صبية تحتفي بالأنوثة وتخشى تراكم السنين، النساء أكثر الكائنات حرصاً على المناسبات لكنهن شديدات الحذر تجاه أعياد الميلاد، لأن عيد الميلاد يعني أنهن زدن في العمر، لكن الصحف عكس النساء فكلما تراكمت السنوات يتضوع العمر وكلما تقدم الزمن تقدمت درجات في سلم الوعي والتجريب والرصانة واكتسبت بصمتها ولونها الخاص ولونيتها ومذاقها الذي تنفرد به.
كان المأمول أن أكتب عن عيد ميلاد (الرأي العام) ال70 عشية الاحتفال نفسه لكن (السمايات والفواتح) والمسار الذي يتغير بعد هنيهة حرمتني من تهنئة (الرأي العام) بالعمود والكتابة والإعراب عن استمتاعي بذلك الحفل الذي دبجه صديقنا الأعز الأستاذ محمد عبد القادر بقاعة الصداقة.
أن يتغير مسارك في السودان فذلك أمر طبيعي للغاية ولولا ذلك سيفقد السودان خاصيته التي تميزه بين سائر بقاع العالمين، مرة طلبت إليّ زوجتي أن أكتب شعراً فيها فاستغربت لذلك الطلب وكتبت بعض الأبيات الهابطة جداً لأكون على مستوى الطلب، جاء فيها:
الحياة من غير سُعاد
زي تكون ماشي الصحافة
وتلقى نفسك في المزاد!
غير أني اكتشفت لاحقاً أنها أبيات استشرافية وكاشفة حين أسقطها على الواقع الاجتماعي ببلادنا فأنت تتهيأ لعيد ميلاد لكنك تجد نفسك في المقابر!!
عيد الميلاد الثاني الذي لم أشارك فيه بسبب أنني كنت أنوي الذهاب إليه لكنني وجدت نفسي في (المزاد) هو عيد الميلاد الثاني لصحيفة (اليوم التالي) ونبع حرصي للحضور من توقي لمقابلة وديدي الربان الماهر الذي يسير بهذه الصحيفة على سكة الجمال والزي الأنيق، فأنا أعرفه منذ أن كان يدير تحرير مجلة (الخرطوم الجديدة) وكان يهاتفني شهرياً وأنا في كندا، لاعب ارتكاز كما يقول محبو كرة القدم و(behind the scene) كما يقول الخواجات لكن أثره الجمالي يتبدى في الصحيفة الأكثر أناقة ورشاقة وأحرف تريح العين والعصب البصري، وكان أملي أن التقي بعزمي الشاب النضر الذي أطالع كل مايكتبه فهو في كل مرة يدهشني ويمسك بتلابيبي ويجعلني أسدد البصر نحو (اليوم التالي) فأشتريها ولا أندم.
وكنت أزمع أيضاً ملاقاة محمد الخاتم وبهرام عبد المنعم وبصفة لحوحة المحللة الاقتصادية نازك شمام التي صار لها نكهة حارقة في الصحافة الاقتصادية فهي تكتب الأرقام بلغة الأدب وتمنح الحركة والحيوية والدبيب لفرع من المعرفة طبيعته الجمود!
من هنا أحيي صديق العمر القاص العذب الأستاذ نبيل غالي فصلتنا تعود للسبعينات حيث كان للأدب مكانة غير مكانه الآن، وأهنئ أيضاً الأخ الصديق مزمل أبو القاسم على خلفية جهوده الصحفية الرياضية وجهده الصحفي السياسي المنبثق من تخصصه الأكاديمي.
عيد الميلاد الثالث الذي لن أحضره لأنني لم أغير وجهتي للمزاد بل توجهت نحو تورنتو هو عيد ميلاد صحيفة (المجهر السياسي) الثالث وهذه مناسبة طيبة لأهنئ الاخ الهندي عز الدين بتعيين الاستاذ عبد الله رزق نائباً لرئيس التحرير فهو (كومندان) صحفي ومترجم رفيع وصاحب مفردة ثرية أشهد أنني أستمتع بتحليلاته وقراءته للأحداث، وهو بجانب كل هذه الخواص (يتوهط) على موضوعية ومهنية، نفع الله به (المجهر) وأتمنى أن تكون محطته الأخيرة فقد تجول عبد الله كثيرًا في الصحف مثل الطفل الذي مازال عند العاشرة لكن عينيه تجولتا كثيراً في الزمن كما يقول أحمد عبد المعطي حجازي في رائعته (العام السادس عشر).
التهاني والود والمحبة للأصدقاء الزملاء محمد عبد القادر (أب سبعين) والأخ الهندي عز الدين، والاخ مزمل أبو القاسم، وجعل الله بلادنا ساحة لأعياد ميلاد الصحف.