احلام مستغانمي

عيونهم التي ترانا ( 2003)


الكتابة عن محنة الأسرى الفلسطنيين الأبطال ، في مواجهة معركة الجوع تتطلّب منّا شيئاً من الحيـــاء ، وبعض الخجل أمام أنفسنا أوّلاً ، نحن الجالسون يومياً إلى موائد طعامٍ ما عادت في لائحة أولوياتهم .
لا يمكن الكتابة عن هؤلاء ، وأنت قائمٌ لتوِّك من مائدة الغذاء العامرة ، إنْ كنت لا ترى الأَسرى ، فعيونهم تراكَ ، حيث هم في زنزاناتهم ، بأجساد وَهِنة ضــاق بها الهَوَان العربي ، وأنهكها الدفاع عن كرامتك .

كلُّ كتابة عن معاناتهم، تحتاج لكي تأخذ مصداقيّة فاجعتها ، إلى أن يكون كاتب المقال ، كما قارئه ، قد خَبرا الجوع الاختياري الطويل ، وقرَّرا عن مبدأ ، الدخول في زمن قهريٍّ ، لا يُقاس بمقياس الزمن العادي .
زمن يتمرَّد على الساعة البيولوجيّة ، التي تتحكّم في تقسيم يوم الإنسان حسب الوجبات الثلاث ، وإقناع هذا الجسد الذي خُلق بلا منطق ولا ولاءٍ سياسي ، بأنّ الواجب أهم من الوجبة ، وبأنّ الكرامة ثمنها المجاعة ، والدخول في غيبوبة الزمن الطويل المفتوح على الوهن ، وعلى الأمراض المزمنة.. وعلى احتمال الموت جوعاً وظمأً .
لــــذا ، إنْ لم تكن جاهزاً لمواساتهم بالجوع ، ولو يوماً واحداً ، ولا بالامتناع عمّا اعتدت تناوله بين الوجبات من فائض الطيّبات ، فلا تكتب عنهم ، فما عادت لهم عيون تقوى على القراءة .
أنت لن تبرِّئ ذمتك بمساندة ذوي البطون الخاوية.. بفائض الكلام ، ولن تُوفي دينك تجاههم بتمجيد الجوع والتغنّي ببطولة رجال ، بقدر ظمئهم ، ثملت بدمائهم الأرض العربية .