مقالات متنوعة

هاشم كرار : الأبيض المتوسط، مقبرة للمهاجرين


تتسعُ هذه المقبرة، في كل يوم جديد ، يبتلعُ فيه اليّم، مهاجرين جُدد.. وقوافل المهاجرين قافلة من بعد قافلة- لا تيأس من حلم الوصول، إلى القارة البيضاء.

لئن تحلم بالوصول، خيرٌ من ألا تحلم وأنت في الأوطان التي تحرم الإنسان حتى نعمة أحلام اليقظة، وأحلام المنام.

الإنسان، ماذا يبقى منه، إذا ماتبدّدت أحلامه، حلما من وراء حلم.. وآخر الأحلام أن يأمن من خوف، ويأكل من جوع!

أوطانٌ كثيرة ماعادت أوطان، وحكامها يقتلون في المحكومين، الحلم. أوطان كثيرة أصبحت مقابر للأحلام.. زنانين، وسكاكين، وبارود، ودم.. وقتل وتقتيل بالجملة.

حيث كان الرعبُ، كان الفرار.. وكانت المخاطرة، وكان التيه في المتاهات، وكان ركوب البحر، وكان الحشر حشرا حتى في المراكب الصدئة.. ولا أطواق نجاة!

لا نجاة، إلا من رحم ربي، والبحار أمواج تعلو عاليا وتنخفض.. تتلاطم.. اليذم يفتح فمه، والريح ليست مضمونة العواقب، والربان الجشع،عشوائي، والبوصلة عمياء، وأسماك القرش تشم رائحة اللحم البشري، وهى على بعد مئات الأميال البحرية، في الأعماق!

الزرقة لا نهائية..

الموتُ يتربص. هو مثله مثل الحكام قتلة الأحلام.. يتربّصُ بآخر أحلام القوافل في الوصول.

النهايات واحدة: أحلام يبتلعها اليّم..

والبدايات، أحلام.. وتتكرر المأساة.. ولا شواهد للقبور في مقابر المتوسط، ولا بحر العرب!

البحار ليست آثمة..

أبحثوا- كما عن المرأة في كل جريمة- عن الحكام . الحكام الذين يقتلون أحلام الناس في أوطانهم، ولا يبقون فيهم من حلم، إلا حلم الفرار.. هذا الحلم الذي بات يعرف أمميا بالهجرة غير الشرعية!

أيتها الأمم، ماذا لو أسميتي الأشياء بمسمياتها الحقيقية؟ لماذا كلُهذا الإلتفاف.. ولماذا تجريمُ المتوسط، أو الأحمر، أو بحر العرب.. ؟ لماذا كل هذا التستر المتواطئ، على الحكام القتلة؟

الفرار- أو الهجرة غير الشرعية- نتيجة، وليست مقدمة. تحصيل حاصل، وليست هى الحاصل، فلماذا.. لماذا أيتها الامم، لا تنظرين إلى المقدمات، ولا تنتبهين إلى الحاصل، أصلا؟

اقترح عليك أيتها الأمم، تسمية يوم في العام ب» يوم أحلام اليائسين». في هذا اليوم لتفتح كل الدول حدودها الجوية والبحرية والبرية.. لا تأشيرة، ولا موظفي هجرة، ولا خفر سواحل، ولا ولا ولا..

دعي أيتها الأمم هولاء اليائسين، في هذا اليوم العالمي المفتوح، يحققون آخر أحلامهم، بالوصول سالمين إلى أرض الأحلام.

قطعا.. هناك دول كثيرة في هذا العالم، ستصبح خالية، حتى من نعيق البوم!

إنها- ياسادتي- دولُ الحكام، الذين هم بلا عقل ولا ضمير ولا قلب ولا رؤية ولا خيال.. دول الحكام الذين لا يحسنون صنعا إلا صناعة الخراب والجوع والقتل والتنفير.. وقتل الأحلام.. حلما من بعد حلم!

آآه أيتها الأمم من قتل الأحلام!