حيدر المكاشفي

نواب العطية.. (هاتوا الربع جنيه بتاعنا)


من بين جملة الدروس والملاحظات التي يمكن استخلاصها من مجريات الانتخابات المنتهية، عنت لي ملاحظتان أرى أنهما جديرتان بالتوقف عندهما والإشارة إليهما، أولى هذه الملاحظات ارتبطت عندي بمشهد كوميدي غاية في الطرافة، وهو مشهد الكوميديان عادل إمام في مسرحية (شاهد ما شافش حاجة)، وتحديداً عند اللحظة التي غاب فيها عن المسرح النقيب قائد فرقة المباحث التي تحقق في مقتل الراقصة عنايات، فخلا الجو للشاويش حسين بغياب قائده وانخرط مع المتهم عادل إمام يمارسان لعب الميسر عبر لعبة (طرة كتابة)، وكانت الغلبة للمتهم حتى بلغ استحقاقه على الشاويش ربع جنيه قبل عودة النقيب، وبعودته توقفا عن اللعب وانتصب الشاويش واقفا ليوحي بانضباطه، بينما ظل عادل إمام المتهم يطالب الشاويش بربع الجنيه مع كل محاولة له للتضييق عليه، قائلاً: (هات الربع جنيه بتاعي) تذكيراً بما له عليه من دين واجب السداد، ويذهب ظني إلى أن حال (نواب العطية) الذين تنازل لهم الحزب الحاكم عن ما نسبته (30%) من جملة الدوائر وأخلاها لهم، سيطابق تماماً حال الشاويش عطية، إن لم يكن بمطالبة الحزب الحاكم لهم برد دينه عليهم، فليس من المستبعد أن يبادروا هم من تلقاء أنفسهم برده له من باب رد الفضل لأهله، وآية ذلك قد ظهرت مبكراً حين أزجى أحد نواب العطية هؤلاء شكره العميق عند إعلان فوزه لقيادات وجماهير الحزب الحاكم بالدائرة لما بذلوه من جهد تكلل بفوزه، ولم يشر ولو إشارة عابرة لقيادات حزبه أو جماهيره، وعليه يبقى من الأفضل أن تضاف حصيلة هؤلاء النواب علناً إلى حصة الحزب الحاكم، بدلاً من أن يلعبوا دور (الخلايا النائمة والغواصات) له داخل الأحزاب الأخرى…

الملاحظة الثانية تتصل بالجدل الذي ثار عن نسبة المشاركة، غض النظر عما إذا كانت ضعيفة ومتدنية بحسب الكثير من الآراء، أو جاءت دون الطموح حسب اعتراف الحزب الحاكم، الأهم من ذلك عندي هو لماذا كانت ضعيفة أو دون الطموح، أعتقد أن الإجابة كامنة في مكان ما لم تدركه بعد لا المعارضة ولا الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الانتخابات، وهذا يستدعي من الجميع أن يتوفروا على دراسة وتمحيص السبب الحقيقي، إذ إن أخطر إجابة يمكن توقعها هي زهد الناس في أي شيء دعك من الانتخابات والحكومة والمعارضة، فلو صح أن نسبة كبيرة من أهل السودان بلغ حالهم هذا المآل من السلبية واللا مبالاة، فتلك وأيم لله نتيجة مزعجة ومقلقة على حاضر ومستقبل البلد، فحيوية أيما بلد وحراكه ونهضته من حيوية أهله وسكانه والعكس صحيح، وفي هذه الحالة يكون أرحم ألف مرة للحكومة والحزب الحاكم لو أن سبب ضعف النتيجة كان بسبب موقف سياسي وليس لسلبية في الناخبين…