عبد الجليل سليمان

خاف من ربك لتستوزر


لا غبار على ولا بأس في مناصحة إمام مسجد الخرطوم العتيق من منبر أول أمس الرئيس القادم بالمضي قدماً في برنامج الإصلاح المُعلن على حد قوله، ولا تثريب في تشديده بأن يتم اختيار الوزراء ورجال الدولة الجدد من المصلحين الذين يخافون الله، حتى يتم القضاء على الفساد والقبيلة اللذين تفشيا بصور تكاد لا تخطئها العين، بحسب ما أسندته إليه الزميلة (السياسي) في عددها ليوم أمس.

حسناً، قلنا لا بأس من ذلك لجهة أن مهمة المنابر تتلخص في النصح والإرشاد والتوجيه فقط لا غير، لكن هذا لا يمنع من النظر والتنقيب في أساليب إسداء تلك المنابر لنصائحها إلى أولى الأمر و(العزم)، إذ ظلت تفعل ذلك وتؤدي مهمتها تلك بطريقة مجافية للوقائع الماثلة ومُجانفة للحيثيات المنظورة، ولعل تلك الوقائع والحيثيات التي أشار إليها جناب الإمام بالفساد والقبيلة، لكنه ما لبث أن قفز على الواقع الذي شخّصه (بدقة وصدق) ما أن انتقل إلى مرحلة تقديم الاقتراحات لمعالجة الأمر، وهذه بالطبع ليست من اختصاص (منبره). ولعله لهذا السبب اجتر وكرر ذات المواصفات والمؤهلات (القديمة) التي ظلت جل الدينية والسياسية الراهنة ولعقود متتالية تتواطأ على أنها الأمثل لاختيار شخص ما، وزيراً كان أو سفيراً أو (صحافياً شهيراً)، وتتخلص تلك المؤهلات (وتتكبسل) في صفة واحده، وهي (الخوف من الله).

إلى الآن، ومنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وعمرها بالأشجار والأنهار والحجر ثم بث فيها البشر وبعث إليهم أنبياء ورسل، لم نسمع بأن اقترح أحد شرط (الخوف من الله) معياراً وحيداً لمن يريد أن يوليهم أمور الناس، حتى في دولة المدينة، دولة الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يكن هناك شرط مثل هذا في تولي المناصب، فـ (سلمان الفارسي) خبير في حفر الخنادق على سبيل المثال، ولو لم يكن كذلك، لما تم اختياره لهذه المهمة حتى ولو بلغ خوفه من الله عنان السماء.

في واقع الأمر، ليس هنالك ثيروميتر لقياس درجات (الخوف من الله)، حتى نتعرف على أن هذا الرجل أكثر خوفاً من الله من ذاك، فنستوزره ونوليه أمرنا وسعاية ذمتنا. وفي المقابل وبطبيعة الحال، فإن هناك معايير أخرى دقيقة لاختيار من يتولون الوظائف العامة خاصة العليا منها كالوزارات منها الكفاءة والمؤهلات العلمية والخبرات والنزاهة وما إليها. وهذه مبادئ يمكن قياسها والتحقق منها بسهولة، ولكن هذا أيضاً لا يكفي، فلا بُد من تفعيل مبادئ المحاسبية والعقاب والرقابة بإزائها وجنباً إلى جنبها، الأمر الذي يوفر منظومة تضبط أداء هؤلاء وتحاسبهم على تقصيرهم وتغلق المنافذ والثغرات التي يتسرب منها الفساد فيتفشى.

وفوق كل هذا وذاك، فإن مثل هذا الخطاب الذي يدعو إلى الاعتماد على معايير روحانية (تم تجريبها) من قبل، وأثبتت افتقارها إلى العملية، مثل هذا الخطاب ساهم في تفشي الفساد وتسلل المفسدين إلى الوزارات بظن أنهم ممن يخافون الله، ثم بُعيد توليهم الأمور وتمكنهم، اتضح عكس ذلك.