أبشر الماحي الصائم

الإسلاميون.. فرصة أخرى 5


لم تعد الزراعة على طريقة (بلداتنا) وﻻ أقول شطارتنا القديمة، على أن نزرع كثيراً ونجني قليلاً.. فالذي ينتجه الهولنديون على سبيل مثال الإنتاج الزراعي الحيواني، هو دون مساحة وﻻية القضارف صاحبة (الثمانية ملايين) فدان، غير أن الزراعة أصبحت علماً تقنياً هائلاً، ونحن ﻻزلنا على حواكيرنا ومحاريثنا العتيقة، نراوح إنتاجيتنا غير الخاضعة لعلمنة الحزم التقنية، وحتى ﻻ نظلم قضارف الخير والطموح، فقد عرفت بعض المشاريع الزراعية هناك عمليات مكننة شاملة لجميع مراحل العملية الفلاحية، لكنها ﻻ تزيد عن بضع مشروعات، غير أنها في سياق التقنيات العالمية ﻻ تتعدى في أحسن الأحوال بضعاً في المئة من تقنيات المنتجين العالميين، وحقيقة تصبح آمال الزراعة ومستقبلها في ظل ما نملك من إمكانات وتطلعات مظلم جدا، إن لم نتدارك موقفنا وإرادتنا وحساباتنا وتدركنا عناية الله سبحانه وتعالى، فعلى الأقل، لم يجف مداد بشريات وزارة الزراعة الذي أعلنت فيه عن مساحتها التأشيرية للموسم الشتوي المقبل.. والذي لم يتجاوز الثمانمائة ألف فدان من مجموع عشرات الملايين الأفدنة الصالحة لزراعة القمح، وهذا في حد ذاته يعد طموحاً عظيماً إذا عرفنا أن المزروع هذا العام من قمح لم يتجاوز الثلاثمائة ألف فدان، وفاتورة الاستيراد المتسارعة لسلعة القمح تتجاوز المليار دوﻻر في العام، فاتورة باهظة كادت أن تمزق عري ميزانيتنا بدلا عن تمزبقها، فالقمح بطبيعة الحال يهزم كل تطلعاتنا الفكرية والحضارية، إذ كيف يتسنى لك أن تبني مشروعاً حضارياً ﻻ يستطيع أن يطعم نفسه، أو قل ﻻ يمكن بناء دولة مستقلة تعتمد على قمح أمريكيا الشمالية لطالما كرهنا هذا الفعل عند خزنة الحكومات الغابرة.. التي كانت وجهتها رهينة سفينة قمح في عرض البحار، ويوم أن فقدت تلك النسخة التعددية المهترئة قمحها لم تسعفها أغلبيتها البرلمانية، فالخبز هو شرعية هذا الزمان، فالجماهير يمكن أن تصبر على عمليات الفراغ الدستوري، ولكنها في المقابل ليس بإمكانها الصبر على عمليات الفجوة الغذائية.

فيمكن أن نعيش بدون دستور لبعض الوقت، ولكننا في المقابل ليس بإمكاننا أن نعيش بدون خبز!! فربما، والحال هذه، يكون نفاد شرعية حكمك مع نفاد آخر جوال دقيق في مخازنك، بل إني أمتلك الجرأة للقول بأن الخبز هو الشرعية والشريعة، ففي البدء كان الأمن الغذائي لقول الله تعالى “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.

* مخرج.. للذين أزعجتهم هذه السلسلة النقدية، وليست النقضية، ماذا استفاد الوطن والحكومة من حالة إنفاقنا عشرات المقالات الأخرى، لم تكن العمليات الجراحية الدامية يوماً لقتل المريض.. يتبع.


تعليق واحد

  1. الفجوة الغذائية مقصودة … دمار توطين القمح في السودان متعمد … ابحث عمن يحتكر الخبز والدقيق في السودان … وتعمق اكثر في الية ادارته لقوت الجماهير … اما الاهداف فهى مستقبلية .. ستراها وتعيشها يوما ما … ان كان في العمر بقية ,,,