منى ابوزيد

مطلوب أزواج فقراء ..!


“المتفائلون لا يدركون كم المفاجئات السعيدة التي تحدث للمتشائمين” .. بيتر بام!

زوجة سودانية بالغة، عاقلة، مكلفة، ضاقت ذرعاً بدلال زوجها فيممت وجهها شطر مولانا القاضي تطلب فراقاً عاجلاً من زوجها الذي كان يصر على توفير جميع وسائل الراحة في بيت الزوجية، من خدم وحشم وخلافه .. بما في ذلك طباخ مقيم مستعد لتلبية كل الطلبات وتغطية جميع المناسبات والمآتم والأفراح .. لكن الزوجة الغاضبة كانت من النوع “الفقري” الذي يطيب له تقطيع البصل ويلذ له تسبيك الحلل، فطلبت الطلاق للضرر (المتمثل في كثرة الراحة والدلال) ..!
لعلك الآن تبتسم تلك الابتسامة التي نطلقها في وجه غرائب الآخرين، لكن موقف تلك الزوجة ليس الأول من نوعه، بل هو ضرب من ضروب النضال النسوي التاريخي في مواجهة البطر والدلال الإجباري الذي قاست منه بعض النساء المتطلبات على مر العصور، والذي يظن معظم الأزواج ـــ وفي بعض الظن جهل ـــ أنه فن متطور من فنون النكد الأسري، ولكن الحقيقة اللطيفة هي أن الحكاية قديمة ومتأصلة في تاريخ الزوجات المدللات ..!
من السيدة “ميسون” الكلبية زوجة الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان الخليفة الذي أسكنها فسيح القصور بين الطنافس والزهور وألبسها الحرير والديباج وأغدق عليها الحلي والجواهر، لكنه عاد يوماً إلى بيته ـــ بعد يوم عمل شاق في تصريف شئون الخلافة ــ وهو يطمح كأي زوج محب في قضاء وقت ممتع برفقة زوجته الشابة الجميلة، لكنه عوضاً عن ذلك سمعها تنشد أبلغ أبيات النكد الزوجي في تاريخ الشعر العربي (لبيت تخفق الأرواح فيه .. أحب إلي من قصر منيف .. وأكل كسيرة وتطيب نفسي .. أحب إلي من أكل الرغيف1) .. إلى آخر تلك القصيدة “الكارثة” .. فطلقها ـــ تماماً! ـــ ثم تركها تغادر إلى حيث فقر البادية الذي لا يعكر صفوه ترف ..!
أما زوجة المعتمد الخليفة الأموي الأندلسي فقد كانت “حريفة شوية”، وأمسكت بعصا الثورة في مواجهة الدلال من المنتصف، فذرفت دموع الحنين إلى حياة العوز وأظهرت الضجر من كثرة العز عندما رأت بعض صويحباتها في أيام الفقر ـــ قبل أن يقع الخليفة في غرامها فيننقلها تلك النقلة النوعية، الطبقية، الهائلة ـــ وهن يتلاعبن ويتضاحكن ويخضن في الطين بأقدامهن الحافية .. فبكت من الحسرة وانعدام (الأكسس) لحياة الفقراء وضياع (الكنترول) للخوض في طين المساكين ..!
فما كان من الزوج العاشق (وهذه بالمناسبة إحدى فوائد الأزواج الأثرياء!) إلا أن أمر الجواري والخدم بأن يعدوا لحبيبته المتذمرة بركة طين ملوكي ــــ طين السرور! ــــ قوامه المسك والعنبر والكافور وسائر العطور .. فخاضت السندريللا الدلوعة في بركة العطور مكرهة لا بطلة، ولسان حالها يقول “عطور .. عطور ..غرامة .. غرامة”، المهم أن أبقى زوجة خليفة .. ولو كلفني ذلك بعض الإرهاق من الترف .. والمعاناة مع الرفاهية .. والتعب من الدلال” ..!

(أرشيف الكاتبة)


تعليق واحد

  1. اهم من ده وده الراحه النفسيه وحتي اذا كنت غني او فقير