تحقيقات وتقارير

محنة اليوناميد في الملعب الدارفوري


كرت أحمر.. وخسارة (كاس)!

من قبل أكد والي ولاية شمال دارفور عثمان كبر، أن الحكومة تسيطر على مناحي الحياة كافة، ولا توجد أيّة سيطرة للحركات المسلحة، بينما تحسن الوضع في المعسكرات، مشيراً لإنخفاض نسبة سوء التغذية إلى ١٢,٥٪ وهي نسبة تقل عن المعدل العالمي.. وإستعرض كبر بعض الظواهر السالبة التي أفرزها وجود اليوناميد، منها ظاهرة إختطاف السيارات والممارسات الإدارية باليوناميد وتعاملها السالب مع بعض الظواهر، وساهمت في بعض تعقيدات الوضع على الأرض.
وقال إن اليوناميد، لم تقم بأي دور في مجال المشروعات ذات العائد السريع، ولم تستطع تقديم الحماية للمواطنين، الأمر الذي زعزع ثقتهم فيها. وبالأمس، إتهم والي جنوب دارفور آدم جار النبي الجمعة، بعثة الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بدارفور (يوناميد) بقتل سبعة مواطنين عزل بمحلية كاس تمت تصفية بعضهم بمعسكر البعثة، وكشف عن مباشرة لجنة للتحقيق في الحادث ليأخذ القانون مجراه.

حادثة كاس
قال والي ولاية جنوب دارفور جار النبي، إن أسباب الحادث الذي أدى إلى مقتل 6 أشخاص وإصابة 5 آخرين من قبيلة (الزغاوة أم كملتي) بنيران دورية تابعة لبعثة (يوناميد)، مساء الخميس، على الطريق الرابط بين كاس وشنقيطة، تعود إلى تحرك مجموعة ليوناميد لجلب المياه، حيث هاجمها متفلتون وسرقوا إحدى مركبات الحراسة، وأضاف: (تحركت يوناميد لإسترداد المركبة المسروقة وتصادف يوم سوق ومجموعة فزع لإسترداد بهائم مسروقة يركبون الدواب، حيث أطلقت البعثة النار على المواطنين العزل رغم رفعهم الرايات البيضاء).

بيان اليوناميد
أعلنت بعثة الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بدارفور (يوناميد)، عن تجدد المواجهات بين قواتها ومسلحين قبليين قرب بلدة (كاس)، الجمعة، وأكدت أن إشتباكات، الخميس، التي أسفرت عن مقتل مدنيين كانت دفاعاً عن النفس، وقال بيان للممثل الخاص المشترك ورئيس بعثة اليوناميد المُكَلَّف إن جنود البعثة أحبطوا هجومين شنهما مسلحون مجهولي الهوية على أفراد (يوناميد) في محلية كاس الواقعة على مسافة 85 كيلومتراً شمال غربيّ مدينة نيالا بولاية غرب دارفور.

وقال عبدون باشوا: (إننا نُدين الإعتداءات التي تستهدف يوناميد ونؤكد إصرار البعثة على الرد على مثل هذه الأفعال بمنتهى الحزم والقوة)، وناشد حكومة السودان بالإسراع في التحقيق حول الحادثين ومحاسبة الجناة.. وتابع: (المناخ العدائي السائد والإخفاق المستمر في توجيه الإتهامات حيال أولئك الذين يعتدون على حفظة السلام والعاملين في مجال الغوث الإنساني لابد أن يُوضَع له حدّاً).. وأعرب عن أمنياته بعاجل وتمام الشفاء للجرحى.. وحسب بيان يوناميد فإن الهجوم الأول وقع في حوالي الساعة السادسة من مساء الخميس عندما أطلق نحو 40 مسلحاً يمتطون الجياد والإبل النار على مجموعة من حفظة السلام النيجيريين، كانوا يحرسون إحدى آبار المياه، وحاول المسلحون الفرار بإحدى مركبات يوناميد بعد إطلاق النار على السائق، ومن ثم قامت قوات البعثة بمطاردتهم وإسترداد المركبة.

وأضاف البيان أنه وأثناء تبادل النيران قُتل أربعة من المهاجمين وجرح إثنان من حفظة السلام، إضافة إلى واحد من المهاجمين، ومن ثم سلَّمَت البعثة جثث القتلى الأربعة والمسلح الجريح إلى الشرطة، وتم إجلاء جريحي البعثة إلى نيالا لتلقي العلاج.. ومضى البيان ليؤكد وقوع هجوم آخر، صباح الجمعة، على إحدى دوريات يوناميد القادمة من نيالا قرب مقر البعثة في محلية كاس، وأسفر تبادل النيران أثناء الهجوم عن جرح أربعة من جنود البعثة.

مطالبات بالرحيل
حادثة كاس تسببت في تصاعد المطالب الرسمية والشعبية لمغادرة قوات اليوناميد لدارفور، وأكد جار النبي لفضائية الشروق أمس، تحرك مسئولو حكومة الولاية وإدارات أهلية صوب مدينة كاس لتدارك الأحداث، وأضاف أن (دم القتلى العزل لن يروح هدراً)، مشيراً إلى تحقيق فوري من الجهات الرسمية والإدارة الأهلية مع البعثة لتدارك الموقف، وقال إن الأمر الآن بالمنطقة تحت السيطرة.
وأكد والي جنوب دارفور إخطار مسئولي البعثة، ليلة الخميس، بعدم التحرك لكاس بدون علم السلطات، لكن تحركت تعزيزات من يوناميد لمدينة كاس وأطلقت النار على المواطنين بحضور معتمد المحلية ولجنة أمن الولاية.
من جهة ثانية، طالب معتمد محلية كاس رئاسة حكومة الولاية في نيالا بسرعة التدخل، حتى لا تنفجر الأوضاع.. وإضطر معتمد كاس محمد إبراهيم لمخاطبة الحشود، مطالباً إياهم بالتريث وعدم أخذ الحقوق بالقوة، ووعد بإبعاد يوناميد من محلية كاس خلال 48 ساعة.

إستراتيجية الخروج
تمسك السودان بتنفيذ إستراتيجية خروج البعثة المشتركة للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي (يوناميد) من إقليم دارفور غربي البلاد، وأكد الشروع بالفعل في التنفيذ بناءً على مطالبة من مجلس الأمن في القرار 2173 عندما جدد ولاية البعثة أخيراً.
وكان القائم بأعمال سفارة السودان بالإنابة لدى الأمم المتحدة بنيويورك السفير حسن حامد حسن، قدم بياناً أمام المجلس خلال مداولاته حول تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الدوري بشأن دارفور.
وقال السفير في بيانه، إن بلاده إستقبلت خلال الفترة الماضية فريقاً من الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي، حيث جرت مشاورات مكثفة حول كيفية رسم وتنفيذ إستراتيجية الخروج بطريقة ممرحلة.

وأوضح أن الخروج سيبدأ بالتخفيض الفوري للقوات الأممية في المناطق الأكثر إستقراراً وتستمر لتشمل سائر ولايات دارفور.
ورداً على ما جاء في بيان لوكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام حول تدهور الوضع الأمني بسبب المواجهات القبلية وأعمال الإجرام واللصوصية بدارفور، أكد حامد على إستمرار مساعي الحكومة الرامية لإحتواء المواجهات القبلية.. وأشار في هذا السياق إلى ما تم من إتفاق بين قبيلتي المعاليا والرزيقات والإتفاقيات السابقة التي تمت بموجبها مصالحات بين القبائل في الإقليم.. وقال إن الصراع القبلي في دارفور قديم قدم تاريخ الإقليم، وإن جهود الحكومة لإحتوائه بصورة نهائية سوف تستمر إلى أن يتحقق ذلك.. وأضاف: (لكن لا يجب رهن الشروع في إستراتيجية الخروج بذلك)، مضيفاً أن مؤسسات السودان وأجهزته المعنية جاهزة الآن للقيام بما يليها في إطار هذه الإستراتيجية.

محنة اليوناميد
يبدو أن بعثة اليوناميد في دارفور لم تعد تطاردها عدم رغبة الحكومة السودانية فقط، في عدم بقائها وإستمرارها في الإقليم، ولكن تمددت الآن ذات الرغبة أوساط المواطنين ومما يضع اليوناميد أمام المواجهة بالفشل في أداء واجباتها ومسئولياتها برغم صعوبة المهام التي تواجهها اليوناميد في إقليم مضطرب وينتشر فيه السلاح والصراعات القبلية وأعمال النهب المسلح.
ويرى مراقبون أن أزمة (تابت) في شمال دارفور هي التي ألقت بظلال سالبة على مسيرة اليوناميد في الإقليم وهي التي دفعت الحكومة لتصعيد ملف إستراتيجية الخروج بعدما تخاذلت اليوناميد في الدفاع عن الحكومة بعد الإتهامات التي وجهتها بعض المنظمات الأجنبية للقوات الحكومية في إدعاءات الإغتصاب الجماعي في تابت.

وأيضاً حدث في أيام الإقتراع خلال الإنتخابات الأخيرة، أن تفجرت الأوضاع في جامعة الفاشر أثناء خروج طلاب الجامعة في إحتجاجات، ومما دفع حكومة الولاية لتوجيه أصابع الإتهام صراحةً إلى قوات اليوناميد بأنها كانت سبباً مباشراً في تأجيج الإحتجاجات عبر تدخلها غير المباشر وغير المعلن في الأوضاع الداخلية للجامعة.
كل ذلك أسباب أخرى عديدة، ساهم في صعود اليوناميد على واجهة الأحداث من جديد، ولكن هذه المرة تضاعفت أعداد الراغبين في خروج اليوناميد، ولم تعد الحكومة وحدها التي ترغب في مغادرتها، بل زعماء قبائل وخصوصاً أولياء الدم في كاس هم الآن من يشهرون الكرت الأحمر في وجه اليوناميد ويطالبونها بمغادرة الملعب الدارفوري فوراً.

 

الخرطوم: عبدالناصر الحاج
صحيفة السياسي