جمال علي حسن

المعارضة والجماهير.. كلفة التماهي


المسافات بين الحكومة والمعارضة تتباعد وبين المعارضة والجماهير تتعقد، لكن وبرغم ذلك لا يبدو أن هناك خياراً للخلاص من الأزمة السياسية وحماقات الحرب سوى الحلم بتحقيق الوفاق السياسي والسلام.. وأخطر ما يهدد موقف القوى المعارضة هو ضياع ملامحها السياسية في ظل التآلف والتحالف بينها وبين البندقية.. وهذا هو الخطأ التاريخي، الذي ارتكبته تلك الأحزاب.. حين راهنت على بنادق التمرد ليصبح الخطاب الإعلامي الرسمي الموجه لها متطابقا في لغته مع الخطاب الإعلامي الرسمي الموجه للتمرد.. فالرئيس البشير حين أراد أن يوجه رسالة للمتمردين وفي أول خطاب له بعد إعلان فوزه الذي تزامن مع انتصار عسكري كبير للقوات المسلحة، لم يميز البشير بين عمامات المعارضة السياسية وبين (كدمول) الحركات المسلحة وجعل رسالته موحدة عنوانها (رسالة للمعارضة) شكرهم فيها على هدية الانتصار في معركة جنوب دارفور..

وحالة التماهي Identification التي حدثت بين لافتة المعارضة السياسية ولافتة التمرد المسلح ليست مجرد تهمة يوجهها النظام الحاكم لقوى التحالف بل هي خيارهم المعلن ومواثيقهم المشهودة وبالتالي فإن عليهم أن يتحملوا تبعات ذلك بشكل كامل.. لأن مصطلح التماهي في علم النفس يعني تبني كل السمات والاتجاهات والقيم التي يعرضها النموذج القدوة.. ولأن تلك الأحزاب هي التي ذهبت الى التمرد وليس العكس فبالتالي فإن التمرد المسلح وبتفوقه عليها بكونه يمتلك بندقية فهو بالتالي سيكون النموذج القدوة الذي مطلوب منها أن تتماهى هي فيه وليس العكس.

لذلك نقول إن الموقف معقد جداً.. لأن الحكومة تشعر بأن وضعها السياسي أفضل ووضعها الخارجي أفضل من السابق والغلبة في الميدان للقوات المسلحة وبالتالي لا يكون استعدادها لتقديم تنازلات كبيرة ملحاً بالدرجة التي تجعلها تتحلى بكامل الصبر على تعنت المعارضة.. أو (تحنيسها).

لن يتوفر علاج للأزمة السياسية السودانية ولن يتحقق الحلم المنتظر لو ظلت المعارضة ترهن نفسها للمتمردين كما هو الحال الآن.. ستخسر المعارضة ثلاث مرات، الأولى خسارتها للافتتها السياسية التي تتلطخ بالدم وعنوانها السياسي والتأريخي الذي ضيعته وشوهت ملامحه.. والمرة الثانية خسارتها حين يخسر (الكدمول) في الميدان فتسمى هزيمة التمرد هزيمة للمعارضة.. أما الخسارة الثالثة والأهم فهي خسارتها لاحترام الشعب السوداني لها.. فالشعب السوداني لا يحترم من يبتزه بالرصاص وبالتالي لا يستجيب لا لـ(ارحل) ولا أية حملة أخرى أو دعوة للثورة من هواتف لم تعد تتمتع بخدمة الاتصال مع الجماهير.

شوكة كرامة

لا تنازل عن حلايب وشلاتين.