أبشر الماحي الصائم

من هور إلى دنقو.. مسيرة تهور باهظة


كنت غداة نصر قوات الدعم السريع على متمردي مليشيات العدل والمساواة، كنت ضيفا على إذاعة صوت القوات المسلحة عندما سألني مقدم البرنامج، المحاور مقدم ركن محمد جادالله عن دﻻﻻت ومسوغات هذا النصر !!

بحيث جاءت إجابتي في سياق ثقافة حماقات وتهور باهظة اتسمت بها حركة العدل والمساواة عبر مسيرة مضنية طويلة، امتدت من وادي هور في أقصى الغرب إلى واقعة وادي دنقو الأخيرة في أقصى جنوب الإقليم، مرورا بأمدرمان والجماهيرية الليبية، وربما ترفدنا ذاكرة السادة المستمعين، القراء، بأن حركة العدل والمساواة ترقد على ثلاث عمليات انتحارية شاهقة كلفتها الكثير جدا، احتاجت في العمليتين الأوليين إلى سنين عددا لكي تلملم جراحاتها وتعيد بعض صفوفها، غير أن العملية الأخيرة ستكلفها لا محالة ما بقي لها من عمر، وأعظم خسارة تتمثل في زعزعة ثقة الممولين في الإقليم ومن وراء البحار، إذ أن ما ظلوا يعدون له خلال سنين بأكملها وبكلفة باهظة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، قد ذهب في ربع ساعة من المباغته المحكمة من قبل القوات الخاصة السودانية، قوات الدعم السريع !!

كانت الحماقة الأولى بإمتياز، تتمثل في دفع كتائب من هذه الحركة إلى مدينة أمدرمان عبر تلك المغامرة الشهيرة، برر يومها قائدها خليل إبراهيم بأنهم فقط يودون سماع صوت الرصاص إلى مواطني وﻻية الخرطوم !! وكانت الكلفة يومئذ باهظة جدا، إذ فقدت الحركة أشهر قادة معلوماتها وتخطيطها، غير أن الخسارة الفادحة تمثلت في عمليات إعادة إلتفاف الجماهير حول الرئيس عبر جوﻻته المكشوفة في شوارع أمدرمان عقب انتحار القوة، وتدفق الجماهير إلى الطرقات يحملون أعلام السودان في مشهد وطني ناصع.

* غير أن الحماقة الثانية قد كلفت حركة العدل والمساواة قائدها ومصدر رمزيتها خليل إبراهيم، والذي أصر أن يتحرك من وادي هور إلى دولة جنوب السودان عبر سهول بادية كردفان المكشوفة، فلقي الرجل الطبيب حتفة في منطقة ود بندة على أثر عملية نوعية قامت بها القوات المسلحة !!

كثيرون كانوا يعتقدون بأن حالة التهور التى ﻻزمت الحركة وكلفتها الكثير، مرتبطة بمزاج وعناد مؤسس الحركة خليل إبراهيم، لما سار شقيقه جبريل في ذات الطريق الانتحاري تبين أنه ديدن وثقافة حركة تفتقد أقل الحسابات والتكتيكات العسكرية.. وهنا ينهض سؤال في غاية الأهمية طالما استعصم به السيد جبريل نفسه بعد الخسارة الأخيرة، إن كانت هناك خيانات تحدث في كل مرة ومن قبل قادة ميدانيين كبار في صفوف الحركة؟!

لكننا في المقابل ﻻ نستطيع أن نسقط عامل عبقرية وثبات وتكتيك القوات المسلحة، ومن قبل ومن بعد معية الله سبحانه وتعالى.. سينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون..