تحقيقات وتقارير

حزب “الدقير”.. الشريك المسالم هل يتخلى عن وداعته أم تُسكته عطايا الوطني؟


والراحل “زين العابدين الهندي” يلتقيه قادة المؤتمر الوطني في 2003م  لإقناعه بضرورة مشاركة حزبه في الجهاز التنفيذي، يتمنع الرجل مؤكداً أن الاتحادي قدم مبادرته الموسومة بـ(مبادرة الحوار الوطني الشامل) من أجل إزالة الاحتقان الذي تعيشه البلد وليس طمعاً في مواقع وزارية، لكن القوم يلحون عليه بأن إنفاذ المبادرة يحتاج لمشاركة أهل المبادرة أنفسهم في السلطة المنوط بها إنزالها لأرض الواقع  وقد كان. اليوم يستدل قادة الاتحادي الديمقراطي بهذه اللبنة التي أسسوا عليها شراكتهم مع المؤتمر الوطني ليؤكدوا أنهم شركاء إستراتيجيون من أجل قضايا البلد وأنهم ليسوا طالبي مناصب، لكنهم في هذه الانتخابات الحالية 2015م يرون أن الوطني استبدل الإستراتيجي بالتكتيكي، وأنه خان عهده معهم في ما يلي هذه الانتخابات جرياً وراء إرضاء اتحاديين، لكنهم صنف آخر من الاتحاديين، هم حزب (مولانا) “الميرغني”، الذي حلّ تالياً للمؤتمر الوطني بحصوله على (25) مقعداً في البرلمان القومي. بينما اكتفى الحزب الاتحادي بزعامة “جلال الدقير” بـ(15) مقعداً فقط. فهل تهتز شراكة الاتحادي الإستراتيجية مع الوطني؟  والأول قد أبدى سخطه الكبير على سلوك الحزب الحاكم، منتظراً التئام مكتبه السياسي ليقرر بشأن الموقف من الانتخابات ومن مستقبل علاقته مع الوطني.
الشريك الوفي المسالم
قد يكون الوصف أعلاه هو أصدق وأعدل وصف يمكن إطلاقه على الحزب الاتحادي (الدقير) الذي تسنم المواقع التنفيذية مشاركاً للحزب الحاكم منذ 2003م، فالمتتبع لمسيرة حزب “الشريف الهندي” طيلة عمر الشراكة يجده بعيداً عن المواقف النشاز التي تربك أي شراكة سياسية، بل يبدو أقرب للتماهي الكامل مع كل مواقف وسلوكيات الحزب الحاكم، متطابقاً مع كافة رؤاه في الحكم، لدرجة أنه قد يبدو عسيراً جداً على غير المراقب اللصيق لمسارات السياسة التفريق بين الوزير أو المسؤول المنتمي للاتحادي وبين نظيره منسوب المؤتمر الوطني، وقد يبدو هنا مناسباً ذكر تلك الواقعة التي شهدها ختام حملة الحزب الانتخابية في دائرة (ودر رعية) بالجزيرة، وأحد مواطني المنطقة جالساً  يستمع لدكتور “الدقير” يتحدث بلسان الحكومة ، وحين طاف بذكرى الزعيم “الأزهري”، التفت الرجل إلى من حوله متسائلاً بعفوية (هو الزول ده اتحادي؟  والله أنا قايلو مع الجبهجية ديل).
إحباط من مواقف الوطني
مصدر مطلع داخل الحزب الاتحادي أكد لـ(المجهر) حالة الاستياء والإحباط الكبيرة التي يعيشها كل قادة الصف الأول بالحزب، بخلاف الجماهير التي (صرخت) من خلال بيانات متعددة مطالبة بفض الشراكة مع الوطني، على خلفية ما يرونه خيانة لعهده معهم بوقوفه مع مرشحي غريمهم (الاتحادي الأصل)  ضد مرشحي حزبهم . وأكد المصدر أن قادة الحزب يرون أن الوطني يقابل التزامهم بالشراكة الإستراتيجية، بألاعيب تكتيكية لا تتماشى مع ما يصفونه بـ(الوفاء الكبير) الذي بذله الاتحادي  لشراكته مع الوطني، وحرصه على عدم إظهار أي شرخ في هذه الشراكة عبر الإعلام، رغم مواقفهم المتشددة في كثير من القضايا داخل الغرف المغلقة . وينقل المصدر أن القيادات كلها على قلب رجل واحد وانها أجمعت أمرها وفوضت الأمين العام د.”الدقير” لإنفاذ كل ما يخرج به اجتماع المكتب السياسي (السبت) بعد المقبل.
الوطني ينصح الاتحادي بالقراءة الصحيحة للنتائج
وكما هو متوقع نفى المؤتمر الوطني بشدة أن يكون خائناً لعهده مع الاتحادي، لافتاً إلى أنه أوفى بالتزاماته الانتخابية لشركائه كافة. واعتبر عضو المكتب السياسي للمؤتمر الوطني “الفاضل حاج سليمان” فشل بعض مرشحي الاتحادي في مواجهة مرشحي (الأصل) لا يعدو كونه تنافساً ديمقراطياً حراً لا ينبغي أن يُغضب حزب “الدقير”، ولفت في تصريح لـ(المجهر) إلى أن الوطني أوفى للاتحادي بالدعم في الدوائر كافة التي أخلاها له، وأنه في المقابل كان لزاماً عليه الوفاء لـ(الأصل) بذات الدعم في الدوائر التي تنازل له عنها، مشيراً إلى دائرتي تندلتي، وبارا الشرقية التي أصر فيهما الاتحادي على منافسة (الأصل) وفاز فيهما مرشحو حزب “الميرغني”، لافتاً إلى أن الوطني أخلاهما لـ(الأصل) وليس للاتحادي. وقال: (ليس من مصلحة الوطني الوقوف مع الأصل ضد الاتحادي أو العكس فهذه نتائج فرضها التنافس الحر). ونصح الاتحادي بقراءة النتائج قراءة صحيحة ومعالجة ما يستدعي المعالجة داخل الحزب وحراكه الجماهيري. وقال: (إلقاء اللوم على جهة أخرى ليس تحليلاً سليماً لنتائج الانتخابات). وذكرّ الاتحادي بأن بعض عضوية الوطني نفسهم تفلتوا وخالفوا توجيهاته مصوتين لمرشحين مستقلين في مواجهة مرشحي الحزب.
هل يزايد الاتحادي لمزيد من المكاسب؟
وبما أن أمر الانتخابات قد حسم رضي الاتحادي أو أبى، فقد يبدو موقفه المفاجئ تجاه شريكه الذي يهدد نظرياً بإمكانية مراجعة أمر الشراكة، فقد يبدو الأمر وكأنه محاولة للضغط على الوطني لتعويض ما فاته في الانتخابات من خلال زيادة حصته في الجهاز التنفيذي، لكن مصادر اتحادية تحدثت لـ(المجهر) وفضلت حجب اسمها، نفت بشدة أن يكون الاتحادي مزايداً في موقفه ساعياً وراء غلةٍ تنفيذية أكبر، مذكراً بموقف الراحل “الهندي” عند أول عهد الشراكة حين كان رافضاً لدخول الحكومة، وأنه لم يدخلها إلا تحت إلحاح الوطني بحجة إنفاذ مبادرة الاتحادي التي عاد عبرها للداخل. وبالمقابل يرى عضو المكتب القيادي للوطني “الفاضل حاج سليمان” أن الحديث عن التشكيل الحكومي سابق لأوانه، وأنه خاضع لكثير من الموازنات والمعايير، لكنه أكد أنه من حيث المبدأ ليس هناك ما يمنع إشراك الجميع في الحكومة المقبلة.
بقاء الشراكة الإستراتيجية
في مقابل اتهام الاتحادي للوطني بأنه يُعلي من المواقف التكتيكية في مقابل الالتزام الإستراتيجي لدى الاتحادي تجاه الشراكة، رفض “حاج سليمان” فرضية تأثر شراكة حزبه الإستراتيجية مع الاتحادي وقال: (ليس هناك شراكة إستراتيجية تنتهي بهذه الطريقة)، مشيراً إلى أنها معنية بقضايا حسن إدارة الدولة والقضايا الوطنية الكبرى، والتي يرى أنها غير مرهونة بالتمثيل في السلطة التنفيذية، إلا أنه بالمقابل يبدو الظرف التاريخي مختلفاً عن ذاك الذي أبرمت فيه شراكة الوطني مع الاتحادي، من حيث حاجة الوطني الماسة حينها لأي شريك حزبي مهما كان حجمه وتأثيره، فقد لا يكون مستبعداً أن تقييم الوطني لشراكته مع حزب “الدقير” قد تواضع عن مستواه لأول عهد الشراكة، خاصة وأنه الآن حاز على انحياز حزب “الميرغني” صاحب التأثير الجماهيري الأكبر والزخم الخارجي الأظهر، بخلاف كثير من الأحزاب المنشقة عن حزب الأمة؛ ليبقى الجميع في انتظار مواقف قيادة الاتحادي النهائية وما يخرج به مكتبه السياسي، أو ما يمكن أن يقوم به الوطني أو ما يقدمه من تطمينات استباقاً لمواقف الاتحاديين، وقد تكون هذه التطمينات هي ما ترغب فيه قيادة الاتحادي وما تنتظره كنتيجة لتهديداتها بمراجعة أمر الشراكة. وننتظر أيهما أسبق قرارات الاتحادي أمر تطمينات الوطني؟