تحقيقات وتقارير

السودان ما بعد عاصفتى الحزم والانتخابات


انتهى امس شهر ابريل المثير والمتخم بالاحداث والتطورات الديناميكية خاصة السياسية وكان السودان الوطن الحبيب قد شهد عاصفتين فيه الاولى كانت عاصفة عربية شارك فيها والثانية عاصفة محلية هى الانتخابات والتى شارك فيها البعض فما هى القراءات المستقبلية لما بعد العاصفتين .
بدأت العاصفة الاولى (عاصفة الحزم) فجر الخميس 26 مارس بالضربات العسكرية للدول المشاركة في التحالف بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وباشرت المقاتلات الحربية باستهداف مواقع الحوثيين بعد أن أعطى العاهل السعودي الضوء الأخضر لانطلاق العمليات العسكرية في تمام الساعة الـ 12 منتصف الليل.وكان السودان قد شارك فى هذه الحملة ضمن المملكة العربية السعودية والامارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والاردن والمغرب وتونس .
ويمكن اعتبار الظاهرة الحوثية التى تمددت كثيرا فى اليمن ظاهرة حديثة فى التاريخ السياسى لليمن ولكن جذورها قديمة حسب ما ذكر الدكتور باعزيز على بن على استاذ القانون وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية مضيفا بأنه وفى العام 1962م قامت الجمهورية العربية اليمنية بانقلاب على ارث النظام الملكى والذى كان اصلا نظام امامى حيث كان اليمن يحكم بواسطة الزيادة ومن الاشراف الذين حكموا اليمن لعقود طويلة من الزمن , والمذهب الذى كان يحكم اليمن كان المذهب الزيدى المذهب الدولة الرسمى , وبعد قيام ثورتى سبتمبر1962م وثورة 1964م فى جنوب اليمن , تغيرت هذه التركيبة واصبح النظام فى اليمن نظاما جمهوريا , ومنذ ذلك التاريخ اختزن الحوثيون فى ذاكرتهم الجمعية نوعا من الشعور بالغبن والظلم التاريخى والرغبة فى الانتقام من هذه التحولات السياسية .وبالتالى الحوثيين ينتمون الى الطوائف الاكثر تشددا ضد السنة ..ومع مرور الوقت تطور طموحات الحوثيين فى مشروعهم المذهبى كما ارتفع سقف طموحهم السياسى وبدأوا فعلا منذ العام 1994م دخول البرلمان عبر الدوائر الجغرافية واصبحوا يمثلون الطائفة الزيدية داخل البرلمان اليمنى وتدريجيا بدأت اطماعهم السياسية ..وفى المقابل بدأت تنمو فى الظل بعيدا عن انظار عبدالله صالح والتركيبة السياسية الموجودة انذالك فى اليمن هذا الكيان الحوثى تدريجيا خاصة فى منطقة صعدة وبعد ذلك حدثت ايضا تحولات كثيرة حيث دخلت ايران الساحة من الناحية العسكرية وهذا التوغل الايرانى فى المشهد السياسى العسكرى اليمنى بدأ تدريجيا واصبح نقطة التحول التى جعلت الحرب فى اليمن بدل ان تكون حرب بين اشخاص ينتمون الى مذاهب مختلفة وغير متجانسة مع بقية المذاهب الاخرى انتقلت لتكون ( ذراع اقليمى) لقوى اقليمية عندها طموحات كبيرة ومن خلال سيطرتها علي الداخل اليمنى تريد ان تضرب دول الخليج العربى او تحاصرهم من الناحية الجنوبية .
الذى جرى فى اليمن ليس حرب داخلية بين اطراف وطنية حوثيين ولاغير حوثيين بل هى ساحة صراع اقليمى واصبح فيها التدافع الاقليمى فى اوضح صوره و اصبح الحوثيين مسكونين بثأرتاريخى ضد كثير من القوى السياسية فى اليمن وظهرت واضحة فى سلوكهم السياسى ومن اهم نقاط ضعفهم انهم مصنفين شيعة مما جعلهم بعيدين عن المجتمع وبالتالى سيظل المجتمع المدنى ينظر اليهم بتشكك وتخوف ,باعتبارهم عملاء لقوى خارجية .
لقد شارك السودان فى عاصفة الحزم ضمن التحالف العربى الدولى الذى سوف يستمر طويلا حتى بعد انتهاء الحرب وسيستمر السودان مشاركا مع اخوته العرب وبالامكان ان يلعب السودان دورا وسيطا ما بين الفرقاء فى اليمن مثلما يحاول ما بين الفرقاء فى ليبيا ولاننسى اننا فى اواخر ستينيات القرن الماضى حينما احتضنت الخرطوم القمة العربية بعد خسارة حرب يونيو 1967م استطاع السودان حل المقاطعة ما بين مصر عبدالناصر والملك فيصل فى ذلك الزمان الجميل ومثلما فعلها سابقا يستطيع الان ان يقوم بالوساطة فى اليمن لاننا نملك مقدرة وخبرة ومهارة فى ادارة الشئون السياسية والحل السياسى بعد ( عاصفة الحزم ) وبالتالى لابد من اعادة الامل لليمن والسودان يمكن ان يستثمر هذه الفرص المتاحة للقيام بالدور السياسى بعد الانتهاء من الدور العسكرى فى المستقبل القريب .
وقبل ثلاثة ايام اى فى السابع والعشرين من ابريل الماضى ايضا اعلنت المفوضية القومية للانتخابات النتائج الكلية لانتخابات 2015م الرئاسية والبرلمانية والتشريعية بمستوياتها المختلفة والتى اظهرت فوزا كاسحا لحزب المؤتمر الوطنى بهذه الانتخابات وبفوز البشير رئيسا منتخبا للسودان حتى العام 2020م وكانت العاصفة الثانية التى شهدها المشهد السياسى السودانى المحلى ..
كانت فرصة متاحة للمعارضة ان تنازل الحكومة فى عقر دارها وتحرز فيها اهدافا ديمقراطية عبر هذه الانتخابات والتى قاطعتها المعارضة لانها لاتريد اعطاء الحكومة مصوغا قانونيا واثبات شرعية سياسية من ناحية ولاتريد الاعتراف بها وبنتائجها اذ شاركت ..لم تستفد المعارضة من فرصة الانتخابات رغم انها اى الانتخابات كانت معلنة قبل خمسة اعوام اى منذ انتهاء الانتخابات السابقة والتى جرت فى العام 2010م بعد موافقة كل الوان الطيف السودانى على نتائجها لانهم شاركوا كليا او جزئيا فيها ,كما ان كل المعارضة السياسية شاركت فى وضع دستور الفترة الانتقالية التى اعقبت اتفاق السلام (نيفاشا) والذى افضى الى قيام انتخابات عامة وبالتالى كانت حكومة انتخابات 201م شرعية وقانونية اعترف بها العالم كله وهى التى دخلت انتخابات 2015م وهى التى فازت بها ,
يمكن للحكومة التى ستشكل بنهاية شهر مايو القادم والتى سيتزعمها حزب المؤتمر الوطنى ان تتربع على قلوب المواطنين وتجد قبولا منقطع النظير وتقلم اظافر المعارضة وتفلسها اذا قامت بحلحلة كافة القضايا المتعلقة بالمعاش والاقتصاد (واطعمهم من جوع ) اولا ثم بعد ذلك (وامنهم من خوف) ثم اشركت كل القوى السياسية فى الحكم (ما تبقى خارج السرب من امة قومى وشيوعى وبعثى وحركات مسلحة يسيرة) واحدثت تعديلات فى الدستور تستوعب كل انتقادات المعارضة بعد عقد حوار سياسى ومجتمعى عريض ماذا تبقى حينئذ .. وسيكون فضاء السودان بعد عاصفتى الحزم الخارجية وعاصفة الانتخابات المحلية حزمة من الانجازات المنتخبة لصالح المواطن السودانى ان شاء الله .

كتب سعيد الطيب
الخرطوم 1-5-2015(سونا)


تعليق واحد