عبد الجليل سليمان

عنف الجامعات والخطاب السياسي


ولأن أخبار العنف والموت تمسك بتلابيب بعضها مثل سلسلة لا انفصام فيها، فإن أي محاولة للتعرف على جذور ظاهرة العنف الطلابي دون إحالتها إلى أسبابها الحقيقية لن تبدو مجرد نوع من العبث بل ضرب من (الصّبْيَنة)، فالتنظيمات الطلابية الناشطة سياسياً تتلقى مع معارفها وأفكارها وأوامرها من الأحزاب السياسية التي تنتمي إليها، وفيما عدا حالات نادرة وشاذة فإن أي نزوع نحو العنف يتسم به أداؤها السياسي لا يُنجز إلا بتحريضٍ من تلك الأحزاب.

وعليه، فإن الأحزاب السودانية، هي المتهم الأول بالتحريض على تحويل النشاط السياسي في الجامعات من سلمي إلى عنيف. وهذا أمر لا يحتاج إلى استجلاب شواهد لتعضيده، فتاريخ الحركة الطلابية السودانية مثقل بالعنف والقتل والموت وإراقة الدماء، حتى أن بعض التنظيمات التي تبنت العُنف وسيلة مركزية في ممارستها السياسية لم تكن لتستنكف الإنشاد بإراقة (كل الدماء).

ظلت الأحزاب السياسية السودانية في ظل الواقع المُعتم المفروض عليها، من مصادرة حقوقها الدستورية في ممارسة العمل السياسي والتنظيمي بحرية تامة منذ استقلال البلاد وإلى اللحظة الراهنة، إلاّ خلال سنوات قليلة فيما أطلق عليها الديمقراطيتن الأولى والثانية.

لكن حتى في هاتين الحقبتين (الديمقراطيتين) ظل التحريض على العنف الطلابي، ديدناً للكثير من الأحزاب السياسية أو جلها عدا (الجمهوريين) ومنسوبي (الطرق الصوفية) البعيدين نسبياً عن السياسة مقارنة بغيرهم.

ما جرى من عنف في جامعة شرق النيل – نهاية الأسبوع المنصرم – لا ينفصل عن سياق العنف العام الذي أصبح ماركة مسجلة للممارسة السياسية في السودان. وهؤلاء الطلاب (المساكين) الذين تُزهق أرواحهم من أجل الدفاع عن مصالح الكبار (الشخصية)، هم ضحية لهؤلاء الساسيين ضيقي الأفق وتلك الأحزاب الغبية والفاشلة والتي لم تقدم لهذا البلد غير خطاب ركيك وتافه محتشد بالعنصرية والجهوية والعقدية والصراخ والزعيق والنعيق، دونما أي منجزات حقيقة على أرض الواقع.