عثمان ميرغني

حوار غندور..!!


طرفة سودانية تقول: “إن رجلاً كان يراقب في حجرته عصفورة دخلت من الشباك.. ثم دارت في الحجرة دورتين قبل أن تغادر بالشباك الآخر.. فأبدى الرجل دهشته، وهو يخاطبها، قائلاً: (يعني هسي عملتي شنو؟؟)..
عندما تنامى إلى علمي أمس أن حواراً تلفزيونياً وإذاعياً مباشراً على الهواء سيجريه الزميلان ضياء الدين بلال، والزبير أحمد، مع البرفيسور إبراهيم غندور نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية.. توقعت أن هناك (رسالة) جديدة.. بعد الانتخابات، وبدء مرحلة جديدة.. ينوي البروف غندور بثها إلى الشعب السوداني..
لكن بعد طول أسئلة وانتظار الأجوبة انتهى الحوار بـ (المعلوم) من ذات المواقف السياسية لحزب المؤتمر الوطني وللحكومة.
وأصبح غندور كمن يقول بملء فيه (لا.. جديد).. وهنا يطفر سؤال عفوي (ولماذا إذن العجلة في بثّ حوار إعلامي قبل تشكيل الحكومة، وظهور ملامح هيكل الدولة الجديد..) ما دام ليس هناك جديد أو أمر طارئ..
يفترض أن الانتخابات التي أنجبت برلماناً جديداً.. ومجالس تشريعية جديدة في كل الولايات.. تعني مرحلة جديدة.. فيها (تطوير) للخطاب السياسي للدولة.. وفيها خطط وآفاق جديدة.. لكن البرفيسور غندور لم يضف إلى ما قاله في الماضي حرفاً.. ولم يمنح المستقبل الآت القريب أية (مشهيات) ترفع من مناسيب التفاؤل.. كل الذي قاله هو تأكيد على مواقف حزب المؤتمر الوطني.. بذات الكلمات.. وذات النغمات.. إذن لماذا العجلة في بثّ حوار إعلامي لا يحمل جديداً رغم جِدة المرحلة؟.
بصراحة هذا ما نخشاه.. أن تكون الانتخابات في ذهن حزب المؤتمر الوطني (فاصل.. ونواصل).. مرحلة ليس فيها مراجعة، ولا استدراك، ولا تنقيح، ولا حتى نظرة في المرآة لإصلاح الحال..
مثل هذه الدرجة من (الرضاء عن النفس) خطرة للغاية.. ليس على الوطن- فحسب- بل على الوطني- نفسه- لأن سنة الحياة الحركة والتقدم والتطور مع الزمن.. لكن إذا أحسّ الحزب أو الحكومة أنه ليس في الإمكان أفضل ممّا كان.. فذلك يعني عملياً إسقاط التفاعل مع الزمن، وتطوير الذات.. ولأن العالم متحرك لا ينتظر، فستكون النتيجة أن يتحرك العالم، ويسقط عن حساباته كل ما لا يتحرك..
السودان دولة في مفترق طرق.. مواجه بتحديات (وهي كلمة سياسية مخففة تشبه كلمة “تفاهمات”، التي أسرف غندور في استخدامها ليلة أمس).. وما لم تتبدل المفاهيم، وتتطور العقلية التي تتعامل مع معضلاتنا، فإن النتيجة الحتمية هي حالة استعصاء أكثر استعصاء..
صحيح- ربما- أن حزب المؤتمر الوطني– من فرط الإعجاب بالذات- لا يحسّ بالحاجة إلى شراء أية فكرة، أو مفاهيم جديدة.. لكن الأصح أن مثل هذه الحالة تعني- عملياً- أن الحزب دخل مرحلة جمود خطيرة..
أليس جديراً أن نسأل (يعني هسي عملت شنو؟).