عبد الباقي الظافر

الدرويش


..
بدأت المدينة تعيش في حالة ذعر.. لا أحد يدري كيف يلج هذا اللص إلى
المنازل.. لا يخلف زائر الليل أي أثر سوى إمضاء غامض باسم الدرويش.. اللص الحريف استطاع أن يتسلل إلى خزنة المؤسسة العامة، وينهب مئة مليون كانت معدة للصرف نهاية الأسبوع مرتبات للعاملين.. زوجة رجل أعمال شهير أكدت أنها فقدت مصوغاتها الذهبية من حقيبة يدها التي لم تفارقها.
النور يصرّ أنه ليس لصاً.. كل ما يقوم به إعادة توزيع الثروة لتحقيق العدالة
الاجتماعية.. أول ممارسة عملية لفكرة الاشتراكية طبقها على التلاميذ في
المدرسة الأهلية الوسطى.. النور استغل قوته الباطشة ليقنع ثلة من
أصدقائه الطلاب بجمع السندوتشات ثم تقطيعها في صحن كبير.. الموسرون من
الطلاب يتولون دفع تكاليف (موية الفول) وزيت السمسم.. فكرة النور جعلت
جميع التلاميذ سعداء.. الناظر حسن عبد الله أشاد بالفكرة، وطلب من أسرة
المدرسة تعميمها على جميع الفصول.
 في منتصف الدراسة الثانوية فقد النور والده.. كان عليه أن يتخذ قراراً صعباً
ليعول شقيقتيه وأخاه الصغير.. أخبر أمه أنه سيضحي ويترك الدراسة من أجل
مستقبل أسرته.. سوق العمل لم يكن مرحبا بخدمات صبي لم يتجاوز الخامسة
عشرة.. الأسرة تريد خبزا ودواء وكساء.. في ليلة شتوية داهم دكان محجوب العوض في السوق الكبير.. لم يأخذ من الدرج إلا القليل.. في الصباح كان التجار يشاطرون زميلهم الأحزان ويصفون اللص بالدرويش.. من ذلك الصباح وجد النور الماركة التجارية لعمله.. أنفق الدرويش نصف المال على أسرته وتصدق بالمتبقي على ذوي الحاجات.

عبر فكرة تحقيق العدالة الاجتماعية جند الدرويش عددا من الرجال.. انضم
إلى المجموعة صول بالمعاش، ومحامي شاب متمحس، ومعلمة مدرسة أساس كفرت بالماركسية بعد أن
خانها زوجها الكادر الذي جندها للفكرة من قبل.. خامسهم لاعب كرة فقد
أهميته بعد إصابته في إحدى المباريات.. المجموعة الخماسية دانت بولاء كامل
للنور المؤسس.. بدأت بنشاط مكثف في تنفيذ سرقات بيضاء.. حتى التصدق بالمال كان يتم عبر دراما عالية الاتقان.. مثل أن يتسلل الأستاذ وهذا لقب المحامي
الشاب إلى المستشفى وهو يرتدي زي عامل نظافة ثم يوزع المال على ذوي
الاحتياجات.. أو يمضي الصول إلى إمام المسجد باعتباره فاعل خير لا يحتاج
لذكر اسمه.. فيما تولت المعلمة إقبال تسويق المسروقات بواسطة عدد من (الدلاليات) المعروفات في سوق المدينة،
ذات فجر تمكنت مجموعة الدرويش من سرقة منزل مسؤول كبير.. كان الصيد
وفيرا.. الدرويش طلب من المجموعة التوجه إلى منطقة توتي حتى لا تستطيع السلطات قص الأثر.. بعد أن استووا على ظهر قارب صغير بدأ الأستاذ يقدم بعض الاقتراحات في تطوير العمل، وبدأ يتحدث عن فكرة الخلايا النائمة، واستخدام (الانترنت).. بين هذا وذاك اقترح شراء عربة وسيلة نقل تيسر العمليات.. الصول طلب تجنيب بعض المال احتياطا لمواجهة المستقبل والظروف الطارئة.. احتج
الدرويش على أفكار التحديث.. بعد أن ارتفعت الأصوات قدم الكابتن نقطة نظام
وطلب من الجميع اللجوء إلى التصويت.. سقطت أفكار الدرويش بالإجماع وعدّت السيدة إقبال من الممتنعين عن التصويت حسب فتوى الأستاذ.

عندما اقتربوا من الشاطئ وجدوا الشرطة في انتظارهم.


تعليق واحد