تحقيقات وتقارير

العنف الطلابي في الجامعات السودانية


من القرشي إلى محمد عوض.. من يوقف (المفرمة)!!

هي ثمانية سنوات فقط.. انتظرتها النخب السياسية ومناصيرها من قطاع الطلاب في الجامعات السودانية منذ أن تم إعلان (استقلال) الدولة السودانية من نير الاستعمار البريطاني ورُفع العلم في 1956م، إلى أن جاءت ثورة أكتوبر في 1964م وبدأت (طاحونة) الموت الطلابي في الدوران دون أن تتوقف حتى نهار الأمس القريب.
بالطبع كانت الرصاصة الأولى التي وجدت طريقها إلى صدر الشهيد القرشي في 20 أكتوبر 1964 هي بمثابة أول اختراق عنيف لحواجز الصمت والسكون السياسي خلال الـ8 سنوات التي أعقبت الاستقلال، بل كانت بمثابة (فرمان) رسمي يعلن عن كفر الدولة السودانية المُستقلة بحرمة دماء الطلبة. ومن يومها لم تستطع كل النخب السياسية التي صعدت إلى سدة الحكم في السودان أن توقف (مفرمة) الموت المجاني التي حصدت أرواح الطلاب، ثمناً للاختلاف السياسي، أو ثمناً لضيق قنوات الحوار، أو ثمناً لاخفاقات تاريخية تعري نوعية القيم الثقافية والفكرية والسياسية التي كان ينبغي أن يسود الصالح منها ويتلاشى الطالح منها إلى فضاءات العدم.

جدران غليظ وراء الظلال
ترى كم من أسرة سودانية توسدت الأحزان وافترشت أغطية الفجائع وقتما جاءتها الأخبار تطير بأجنحة الأسى لتخبرهم عن (موت) ابن أو ابنة إثر أحداث عنف طلابي بعدما أنفقوا كل أحلامهم النبيلة لأجل إيصاله أو إيصالها إلى درجات سلم التعليم الجامعي؟؟. وترى من المسؤول الأول عن كل هذا المناخ الكارثي وكل هذا العنف؟.

مراقبون يروا أن انعدام ثقافة الحوار و عدم تشبع الأجيال الجديدة بحرية الرأي والرأي الآخر، هي من ضمن الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تفسير ظاهرة العنف الطلابي، مؤكدين على أن السنوات الأولى التي أعقبت الاستقلال كانت سنوات مفعمة بحب الوطن ومراعاة مصالحه العليا والتي لا توجد خلافات حولها بين جميع أطياف القوى السياسية، ولكن رويداً رويدا بدأت تسود النبرة الحزبية الضيقة والتي فاقمتها طبيعة التنافس بغية الوصول للسلطة بأسرع الطرق وأقصرها، ومما انعكس تلقائياً على نوعية النشاط السياسي الطلابي بحسبان أن السلطة السياسية في السودان دائماً ما تكون متهمة بالانحياز إلى فئة دون سواها وخصوصاً الأنظمة المُعرفة بأنها شمولية أو الأنظمة الأوحادية- ذات الحزب الواحد. السنوات العشرين الأخيرة في السودان سجلت أعلى نسبة أحداث عنف طلابي دموي بسبب نوعية الاستقطاب السياسي الحاد بين الطلاب الموالين للحكومة والطلاب المعارضين، وربما كان السبب في ذلك هو نتاج للاسقاطات الغير مباشرة التي يخلفها نوعية (الاحتراب) السياسي المتبادل بين الحكومة ومعارضيها في متون الخطاب السياسي، سواء الرسمي، أو التعبوي، أو تلك اللغة التي تفيض بها أجهزة الإعلام والصحافة والبيانات الرسمية.

مثال من نهارات البارحة
أمس الأول، كشفت قوات الشرطة السودانية، عن مقتل الطالب بكلية شرق النيل الجامعية، محمد عوض، يوم الأربعاء، إثر اعتداء إحدى المجموعات الطلابية على مجموعة أخرى داخل حرم الجامعة، أصيب خلاله طلاب آخرون وأُتلفت بعض ممتلكات الكلية. وأورد المكتب الصحفي للشرطة في بيان منشور بموقع وزارة الداخلية، أنه حوالي الساعة الثالثة ظهر الأربعاء، وإثر خلاف بين مجموعتين من طلاب كلية شرق النيل الجامعية، قامت إحدى المجموعتين بالاعتداء على المجموعة الأخرى داخل حرم الجامعة، حيث أحدثوا إصابات وسط الطلاب واتلاف ممتلكات الكلية، وقد أصيب في هذه الأحداث الطالب محمد عوض، الذي تم نقله للمستشفى وتوفي متأثراً بإصابته. وأوضح البيان أن الشرطة فتحت بلاغاً تحت المادة 130 من القانون الجنائي، وكونت فرقاً للبحث وللقبض على المتهمين واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهتهم، وأكدت الشرطة عودة الأحوال للهدوء بالكلية. وتجمهر الطلاب أمام مستشفى البراحة القريب من الكلية، الذي أسعف إليه الطلاب المصابون، احتجاجاً على مقتل محمد عوض وإصابة زملائهم. الجدير بالذكر أن الطالب محمد عوض هو من ضمن طلاب الحركة الإسلامية والتي يعتبر حزب المؤتمر الوطني الحاكم والفائز بغالبية الدوائر الانتخابية في الانتخابات الأخيرة، هو الذراع السياسي للحركة الإسلامية.

بسبب الاتفاقيات الثنائية
تعود ملابسات مقتل ثلاثة طلاب من دارفور العام قبل الماضي في جامعة الجزيرة بوسط السودان ، لنزاع بين طلاب السنة الاولي بجامعة الجزيرة من ابناء دارفور ورابطتهم بالجامعة من جهة؛ وادارة الجامعة واتحاد الطلاب الموالي لحزب المؤتمر الوطني من جهة اخري بسبب رفض الادارة اعفاء الطلاب من الرسوم الدراسية (البالغة 1000 جنيه علي كل طالب وطالبة) كما نصت اتفاقية ابوجا للسلام في 2005 والقرار الجمهوري الصادر بهذا الخصوص. ووفقاً لإفادات سابقة من عدد من أعضاء رابطة دارفور بالجامعة فقد اختفي ستة من طلاب الرابطة ؛ كلهم من طلاب السنة الاولي عدا واحد؛ في ظروف غامضة قبل اربعة ايام شهدت أعمال عنف واحتجاجات من قبل طلاب دارفور احتجاجاً على الرسوم الطلابية.

وبينما تاكد مفارقة ثلاثة طلاب للحياة وهم محمد يونس نيل وعادل محمد احمد حماد وهم طلاب في السنه الاولي بكلية الزراعه بجانب الصادق يعقوب عبدالله في السنه الثانية بنفس الكلية.

مطالب تصفية الوحدات الجهادية
استشهد الطالب على أبكر موسى ادريس، في السنة الثالثة كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم ، بعد تعرضه لطلق ناري عقب مظاهرة طلابية في يوم الثلاثاء 11 مارس الماضي 2014، ثم تفاقمت الاوضاع سوءا في اعقاب احتدام الصراع بفعل حرق داخيات شمبات وعدد من مكاتب الأساتذة مما اضطر وقتها إدارة الجامعة لاعلان أغلاق الجامعة الى حين . وبعد إستئناف الدراسة دخل الطلاب في أعتصامات مفتوحه أستغرقت (38) يوماً ، طالبوا فيها بتقديم الجناة للمحكمة وتطهير مسجد الجامعة من الأسلحة ، وحل الوحدات الجهادية التابعة لحركة الطلاب الإسلاميين الوطنيين ، وجرت محاولات عديدة لفض تلك الإعتصامات ولكنها باءت بالفشل وأدى تمسك الطلاب بمطالبهم المشروعه الي توتر الأجواء داخل أسوار الجامعة وخارجها الا أن الإعتصام أوجد مبرراً لأشتعال العنف من جديد لينجح في توحيد رؤية أساتذة الجامعة وطلابها وتم توقيع اتفاق إطاري لتحقيق الإستقرار ونبذ العنف في الجامعة ، وتوافقت الأسرة الجامعية لأول مرة علي تصفية الوحدات الجهادية بإعتبارها سبباً اساسياً في إندلاع العنف بالجامعة لكن الطلاب اعلنوا مقاطعتهم إمتحانات (يونيو) عقب إصدار مجلس العمداء قراراً بنهاية العام الدراسي قبل أنهاء المقررات .

وقتها، خرج مدير جامعة الخرطوم بروف الصديق حياتي من صمته ليقول في حديث بورشة عمل لتطوير الحرس الجامعي بحسب ما تناقلته صحافة الخرطوم سابقاً ان اصلاح الجامعة يعتبر اصلاحا لكل الجامعات واكد ان هواجسه تكمن في كيفية تأمين الجامعة وكافة منسوبيها على ان تكون ذات بيئة امنة في وقت اشاد بدور الحرس الجامعي الذي تحسر على تضاؤل حجمه وعدده بقوله ( كان يبلغ عدده عشرة الاف والان اصبح اقل من 300 فرد) في الوقت ذاته حمل مسؤولية تفجر احداث العنق بالجامعة للتنظيمات السياسية مؤكدا ان الذين يثيرون المشاكل هم طلاب من الجامعات الاخرى مستشهدا بالاحداث الاخيرة حيث تجمع طلاب دارفور في المعهد والجامعات الكبرى ودخلوا الجامعة وذكر حياتي سابقة اخرى في العام 2011م عندما دخل المناصير الجامعة بحجة قضاياهم مع الدولة واضاف ان العنف لايشبه طلاب الخرطوم .

انتشار السلاح وعدم السيطرة عليه
بالطبع وبشهادة الحكومة وكل المنظمات المحلية والأجنبية شهد إقليم دارفور انتشاراً كثيفاً للسلاح وتسربه لأيدي المواطنين، ساهم بشكل مباشر في تفاقم حدة الصراعات القبلية والتفلتات الأمنية واتساع نطاق أعمال النهب المُسلح ، فضلاً عن تصفية الحسبات الشخصية على نحو عنيف تستعمل فيه كافة الأسلحة الفتاكة. كل ذلك لم تسلم منه الجامعات السودانية التي تتخذ من إقليم دارفور مقراً لها. على سبيل المثال فى الفاشر عاصمة شمال دارفور التي عاشت جامعتها توترا اثر مقتل طالبة بكلية التربية داخل الحرم الجامعى عندما فتح مسلح النار عليها في يوم 4 ابريل 2014، وارداها قتيلة فى الحال وانتحر خلفها برصاصات عديدة اخترقت جسده، وتجمع العشرات من الطلاب بجامعة الفاشر احتجاجا على الحادثة ومطالبين بالتحقيق فى كيفية دخول شخص مسلح الى الجامعة واضطرت ادارة الجامعة الى اخلاء السكن الداخلى للطالبات وتعليق الدراسة فى جميع الكليات واخراج الطلاب منعا لتطور الاوضاع.

حصرياً في جامعة القران الكريم
في ديسمبر 2011 شهدت جامعة القران الكريم أحداثاً لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين بحسبان أن الجامعة كانت فكرة إنشائها تقوم من الأساس على رفد المجتمع السوداني بكوادر مؤهلة في مجال العلوم الدينية وأصول الشرع والقانون، ولم يكن أحد يتصور بأن طلاب مثل هذه الجامعة سوف يصبحون ضحايا لعنف طلابي معطون في صرعات النخب السياسية. والحادثة كانت هي : ثلاثة من الطلاب الاسلاميين الوطنيين انهالوا على (أخيهم) ضربا مبرحا، ففارق الحياة بين أيديهم، فوقفوا مذهولين أمام جثمانه لما يقارب الست ساعات حتى أكملت مركزية طلاب المؤتمر الوطني ترتيباتها بعد أن تبرأت من الطلاب الثلاثة الذين تحولوا من طلاب يحملون تلك الصفة الى جناة دفعت بهم مركزيتهم للعدالة. هكذا كان المشهد قبل أن تحمل صحف اليوم التالي خبر مقتل الطالب بجامعة القرآن الكريم كلية الشريعة والقانون ربيع احمد عبد المولى على يد أربعة من طلاب المؤتمر الوطني من بينهم أمين التنظيم بالجامعة داخل مباني اتحاد الطلاب.

الخرطوم/ عبدالناصر الحاج
صحيفة السياسي