منى ابوزيد

في عدالة التوزيع ..!


“كل الدعاوى العرقية والعنصرية شر مستطير” .. كارل بوبر!
وصل العلم بنا إلى القمر.. أهدانا البنسلين، وأشعة إكس، وقاذفات الصواريخ، وأنابيب النابالم، وأطفال الأنابيب.. أسطرتْ نظرياته برامج التكنولوجيا، واخترقتْ معادلاته البعد الرابع .. وأجلست تجاربه الطبية فَناءَنا البشري على مقاعد الاستنساخ.. ورغم ذلك بقي الإنسان في جوهره، ومخبره هو القيمة التي لا تُضاهى، والمورد العذب، الجليل الذي لا يقدر بثمن .. وظل الفكر الإنساني وسيبقى مشغولاً بإدراك الذات، وتطوير السلوك، وتهذيب الطموح.. وبالتالي زيادة الإنتاج ..!
أعظم نظريات تنمية وإدارة الموارد البشرية أنتجتها قوة الفكر وحدة الملاحظة.. كان فريدريك تايلور ـ أبو علم الإدارة ـ يعمل في مصنع للحديد عندما لاحظ انخفاض الإنتاجية، وضياع الكثير من الجهد والوقت دون تحقق فائدة إنتاجية موازية.. فعكف على تجارب ميدانية واسعة بهدف زيادة الكفاءة الإنتاجية.. وكانت النتيجة كتابه الشهير (مبادئ الإدارة العلمية).. ثم جاء من ينتقد مساواته المطلقة بين البشر والآلات.. واقتصار مبدأ التحفيز ـ عنده ـ على المقابل المادي فقط ..!
بعد تايلور ركزت “حركة العلاقات الإنسانية” على تأثير العلاقات الإنسانية ـ في بيئة العمل ـ على معدلات كفاءة الانتاجية.. بينما أولى “هرم أوسلو” اهتمامه إلى إشباع حاجات الفرد للحفاظ على مستوى حافز الأداء..!
ثم توالى ظهور النظريات الواحدة تلو الأخرى في فنون إدارة البشر (نظرية الإنصاف لـ آدمز .. الأهداف لـ ويليام ولوك .. التوقعات لفروم أول.. إلخ..).. وكلما تطورت المجتمعات وأمعنت في تحضرها ازدادت الحاجة إلى تنمية الإنسان كقيمة.. وإدراته كمورد مادي هائل وثروة قومية لا تضاهى ..!
الحديث عن “ضرورة تطبيق مبدأ اختيار التوظيف بمعيار القوة والأمانة وإعمال مبدأ الشفافية والعدالة دون محاباة باسم حزب أو قبيلة أو جهة” .. والكلام عن “مراعاة عدالة التوزيع وأهمية تطبيقها بشفافية” يبدو – في السودان – رومانسياً بعض الشيء، خصوصاً إذا كان مصدره الحكومة التي باركت – وما تزال- مظاهر أبلسة الآخر، وتعميق نعرات الصفوية القبلية، وأوهام النقاء العرقي، بدعم رسمي لهذا النهج، في صور شتى، ليس آخرها (مبايعات القبائل، وبيانات التضامن والتأييد بأسماء الزعماء والمشايخ والسلاطين .. وتصريحات بعض السادة المسئولين الذين يشكلون نماذج عنصرية تستحق الدراسة) ..!
كيف لدولة ـ تقتات مشاريعها السياسية وتتغذى أجهزتها التنفيذية على مثل هذه المفاهيم ـ أن تنجح في تطوير أجهزتها الحكومية وخدماتها المدنية بعيداً عن لعنات القبلية وأوهام الأفضلية العرقية؟! .. كيف وأول وأولى مبادئ تطوير الخدمة المدنية هي تنمية العنصر البشري وأنسنة الحضور المهني بعيداً عن الجهوية والمحسوبية ..؟!
لن يتزحزح هذا البلد – قيد أنملة – نحو ما ننشده من تطور إلا إذا أدركنا أن قيمة الإنسان شجرة وعي وأن الديموقراطية هي أهم عناصر تمثيلها الضوئي ..!


‫2 تعليقات

  1. وأعـجـبـنـي فـيـه لـغـتـه الـعـربـيـة الـمـمـتـازة وروعـة الـتـعـبـيـر وسـهـولـة ونـقـاء وهـدؤ الـلـغـة الـعـربـيـة . كـلـمـاتـك عـذبـة ورقـيـقـة يـتـفـهـمـهـا الـجـمـيـع فـتـحـيـاتـي الـخـالـصـة لـلـكـاتـبـة مـنـى أبـوزيـد لـحـفـاظـهـا عـلـى الـلـغـة الأم لـغـة الـضـاد …
    مـتـمـنـيـا الـمـواصـلـة فـي الـمـواضـيـع الـعـمـلـيـة الـتـي تـهـم الـمـواطـن الـسـودانـي وتـحـافـظ عـلـى سـلـسـة الـلـغـة الـعـربـيـة …